مدارس المسجد الأقصى المبارك
د. أنس زاهر المصري باحث في دراسات بيت المقدس
يختصُ المسجد الأقصى المبارك بفضائل عديدة جعلت منه موئلاً للرباط، وموضعاً للجهاد، ومكاناً للمواجهة الدائمة بين الحق والباطل، وبوصلة للسائرين، ومؤشراً على تقدم الأمة أو تراجعها، وفضائل المسجد الأقصى المبارك كثيرة مستفيضة تناولتها العديد من الكتابات وأجاد فيها المتحدثون الواصفون.
إلا أن هذه السطور تُركز على زاوية أخرى من جوانب بركات هذا المسجد المبارك ومظاهر تميزه، فالمسجد الأقصى المبارك إضافة لكونه مكاناً للعبادة والصلاة، وميداناً للجهاد والرباط، فقد ظهرت جوانب أخرى مشرقة في جنبات المسجد المبارك ألا وهي مدارس المسجد الأقصى المبارك؛ مدارس متكاملة، بالنظام المدرسي المنهجي المعروف، مختصة بتعليم أبناء هذا الديار ومن يقصد هذا المكان المبارك حباً في العلم ورغبة في نيل بركات هذا المسجد.
ولعل هذا من أبرز ما يميز مسجدنا الأقصى المبارك، اشتماله على المصليات والخلوات، والأروقة والساحات، والمدارس والمصاطب، والقباب والأبواب؛ فالحياة في المسجد الأقصى المبارك حياة متكاملة، يجدُ فيها كل قاصد مبتغاه، وكل طالب ما تمناه.
وقد ضم المسجد الأقصى المبارك في جنباته أكثر من خمس عشرة مدرسة، موزعة في أروقته الشمالية والغربية، عمِلت على تخريج المئات بل الآلاف من أبناء هذه الأمة في شتى المجالات والعلوم، فتجد إحدى هذه المدارس مختص بتدريس حديث النبي ﷺ، وأخرى مختصة بتدريس الفقه وثالثة تدرس مختلف العلوم، وبهذا أضحت هذه المدارس منارات للعلم، ومصنعاً للرجال في رحاب واحد من أطهر مساجد الأرض وأقدسها.
ومن أشهر هذه المدارس (المدرسة الأشرفية) التي وصفها مجير الدين الحنبلي صاحب كتاب الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل بأنها (الجوهرة الثالثة في المسجد الأقصى) بعد قبة الصخرة والمصلى القِبْلي، وتقع المدرسة الأشرفية في الجهة الغربية من المسجد الأقصى المبارك بالقرب من باب السلسلة. وامتاز مبناها بعناصره المعمارية والزخرفية، وتستخدم المدرسة الآن مقرا لثانوية الأقصى الشرعية للبنات، كما يستخدم جزء منها مقراً لقسم المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك.
ومن المدراس الشاهدة على تهويد المسجد الأقصى المبارك وما حوله (المدرسة التنكزية) الواقعة بين باب السلسلة شمالاً وحائط البراق جنوباً، جزء منها داخل الرواق الغربي للمسجد الأقصى وجزء خارجه. وقد استخدمت في العهد المملوكي مدرسة للحديث ثم مقراً للقضاء، وفي العهد العثماني استخدمت المدرسة محكمةً شرعية، واتخذها المجلس الإسلامي الأعلى لاحقاً مركزا تابعا له، إلى أن استولت عليها قوات الاحتلال الصهيوني عام 1969 وحولتها مقراً لقوات الاحتلال، ولطبيعة موقع المدرسة المشرِف على ساحات المسجد الأقصى المبارك فقد استخدمها الاحتلال في أكثر من مرة لملاحقة المصلين والمعتكفين في ساحات المسجد المبارك والاعتداء عليهم.
كما يضُم المسجد الأقصى مدارس أخرى تحول كثير منها إلى أماكن سكنية، كالمدرسة الباسطية، والمدرسة الملكية، والمدرسة الإسعردية، والمدرسة العثمانية، كما تستخدم المدرسة المنجكية مقراً لدائرة الأوقاف اليوم.
ومع ذلك فلا تزال ثلاث مدارس في المسجد الأقصى المبارك عامرةً حتى يومنا هذا، تخدم أبناء وبنات مدينة القدس لتعليمهم في رحاب المسجد المبارك، وهذه المدارس هي:
1- ثانوية الأقصى الشرعية: الواقعة في الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك قرب باب الأسباط، والمدرسة اليوم مدرسة إعدادية وثانوية لطلبة الفرع الشرعي من الذكور.
2- مدرسة رياض الأقصى الإسلامية: الواقعة كذلك في الرواق الشمالي للمسجد الأقصى بجانب باب حُطة، وبعض أبنية المدرسة من مباني المدرسة الدوادارية سابقاً.
3- ثانوية الأقصى الشرعية للبنات: الواقعة في الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك، في الطابق العلوي من المدرسة الأشرفية، وهي مدرسة ثانوية شرعية للإناث.
وما أجملها وأبهاها من أوقات وأيام:
تدرس فيها داخل المسجد الأقصى المبارك..
وتقف الطابور الصباحي داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك..
وتقضي فترة الاستراحة بين الحصص (الفُرصة) في ساحات المسجد الأقصى المبارك..
فتحصِّل بركات العلم والرباط والاعتكاف..
تصنيفات : قضايا و مقالات