الميراث بين الشرع واتفاقية سيداو
د. إبراهيم الشروف/ دكتوراة في الفقه الإسلامي
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ـ والتي تعرف اختصاراً باسم (اتفاقية سيداو)- هذه الاتفاقية المشؤومة والدخيلة على أعرافنا وتقاليدنا وشريعتنا الإسلامية الغراء، ينادي أصحابها بإلغاء أشكال التمييز بين الرجل المرأة كافة في جميع المجالات، والمساواة التامة بين الذكر والأنثى، ومن ضمن هذه الأمور التي نصت على المساوة فيها بين المرأة والرجل، المساوة بينها في الميراث، وهذا ما تضمنته المادة (13) من هذه الاتفاقية، حيث نصت على “مساواة المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً فيما يتعلق بالحق في الحصول على الاستحقاقات الأسرية…” والمقصود بالاستحقاقات الأسرية: الميراث، وبهذا تهدف هذه المادة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، لأن الاختلاف في استحقاقاتهم الإرثية – بحد زعمهم – يعد عنفا موجها ضد المرأة يجب القضاء عليه.
وللأسف الشديد كثير من الدول الإسلامية ومنها فلسطين وقعت على هذه الاتفاقية دون أي تحفظ على بنودها، علماً أنها تخالف الشريعة الإسلامية في كثير من بنودها، وتخالف قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976 والمطبق في الضفة الغربية والمستمد من الشريعة الإسلامية، وهذه المادة مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، ولنص صريح محكم في كتاب الله وهو قول الله عز وجل: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن﴾. (سورة النساء آية:11)
الذي ينبغي أن يُعلم أن من خصائص الأحكام الشرعية أنها تشتمل على ثوابت ومتغيرات، وأن الأحكام المتعلقة بالميراث من الأحكام الثابتة المحكمة التي لا مجال للاجتهاد فيها ولا يدخلها التغيير والتبديل، فهي أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وقد تَولَّى الله عز وجل بنفسه وضْع أُسس وضوابط علم الميراث وتوزيع التركات؛ لأهميته، وعِظَم خطره.
وقضية ميراث المرأة يطرحها بين الحين والآخر البعض تحت دعوى: الدفاع عن قضية المرأة، وإنصافها، والحرص عليها، مصدرين للناس أن الإسلام ظلمها بإعطائها نصف الرجل، وهو أمر يدل عن جهل كبير بالإسلام وتشريعاته ونظامه، أو حقد وحنق على الإسلام وأهله. وبقليل من التدبر والتأمل في أحكام الميراث نجد أن الإسلام جاء لإبطال الظلم الواقع على المرأة، فالمرأة قبل الإسلام كانت تعد كالمتاع عند بعض الشعوب، بل قد تدخل هي نفسها ضمن التركة وتؤول إلي واحد من الورثة، وكانت لدي البعض الآخر من الشعوب لا ترث أصلا، ويستأثر الذكور بالتركة كي لا يخرج المال خارج نطاق الأسرة، فجاء الإسلام بإنصافها ورفع الظلم عنها حينما قرر الله عز وجل ابتداءً أن للمرأة الحق في الميراث كما الرجل، قال تعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾ (سورة النساء آية: 7)
ثم إن القول بأن فقه المواريث في الإسلام يُعطي الذكر ضعف الأنثى هو قول عارٍ عن الحقيقة، منافٍ للواقع؛ فالمُستقرِئ لأحوال ميراث المرأة في الإسلام يجد أنها قد ترث -في بعض الحالات -أكثر من الرجل، أو تساوي الرجل، أو ترث ولا يرث الرجل وذلك فيما يزيد على ثلاثين حالة، وترث نصف ما يرثه الرجل في أربع حالات فقط.
وتفاوت أنصبة الوارثين في نظام الميراث الإسلامي، لا علاقة له بذكورة أو أنوثة؛ ولكنَّه يقوم على فلسفة دقيقة محكمه، أشار لبعضها الدكتور محمد عمارة في كتابه التحرير الإسلامي للمرأة (انظر: ص66 – 68)، منها:
أولاً: درجة القرابة بين الوارث وبين المورث، فكلما كان الشخص أقرب للمتوفَّى زاد نصيبه من الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
ثانياً: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه – وكلتاهما أنثى – بل وترث البنت أكثر من الأب، حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، التي تتفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب، وكلاهما من الذكور.
ثالثاً: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى. لكنه تفاوت لا يفضي إلى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.
فإذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة، وفي موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال وهي في أربع حالات فقط كما أشرت لذلك، كأن يترك المتوفى خلفه بنتاً وابنا، أو بنت ابن وابن ابن، أو أخت شقيقة وأخ شقيق، أو أخت لأب وأخ لأب يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في تفاوت أنصبة الميراث؛ وذلك لأنهما غير متساويين في التكاليف والأعباء المالية؛ فالنفقة واجبة على الرجل، أما المرأة فمالُها مهما بلغ ثروة مُدَّخرة، ولا تلزمها النفقة على أحد، ولا على نفسها في الغالب.
وفي هذه المعايير من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حكم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين، وهي معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق.
وينبغي التفرقة بين العدالة والمساواة؛ لتصحيح مغالطة من يرى ألَّا فرق بينهما، أو يدَّعي أن: تحقيق العدالة مُتوقف على تحقيق المساواة.
والصواب: أن العدل لا يقتضي التسوية، فقد تعدل بين شخصين دُون أن تسوي بينهما؛ لأن العدل هو: وضع الشيء في مَوضِعه، مع مراعاة الحال.
ولذلك فإن المناداة بمساواة الرجل بالمرأة في الميراث سيقع المرأة في ظلم وإجحاف، وسينقص من نصيبها المقدر الذي فرضه الله لها، فلا يوجد نظام يحترم المرأة وينصفها كما احترمها الإسلام وأنصفها، ذلك أنها شريعة الله تعالى التي كرمت الإنسان بنوعيه الذكر والأنثى، ولأنها شريعة الذي خلق الذكر والأنثى، وجعل لكلِّ واحدٍ منهما دوراً في المجتمع يكمل دور الآخر، فلا أحكم ولا أعدل ولا أكثر ملاءمة ومراعاة لمصالح الناس من حكم الله عز وجل، بل إنه لا ينبغي ولا يصح أن يوضع موضع مقارنة مع أحكام البشر الوضعية، فهو العدل المطلق والخير التام.
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۞ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ سورة الأنعام (114-116)
تصنيفات : قضايا و مقالات