حرف الجر الذي أشاع في ربوع المسلمين الخير، د. عيد دحادحة
فبراير 1, 2023
للمشاركة :

حرف الجر الذي أشاع في ربوع المسلمين الخير ! ( أذلّة على المؤمنين )

د. عيد دحادحة محاضر جامعي

    لكلّ بنيان يشيده الإنسان ضمانة لتماسكه؛ تمسكه أن يزول، متمثلّة في الأساسات القوية التي قام عليها هذا البنيان، وفي المواد اللاصقة التي تتخلّل لبنات هذا الصرح الظاهر للعيان، وذلك  مَثـَلُ  بنيان الأخوّة الإيمانية، الذي شادته إرادة فإن إرادة المولى جلّ شأنه التي عقدت عقد الأخوّة هذا قد أرست ضمانة لتماسكه وصيانته وديمومته متمثلّة في إشاعة أجواء الصفح والعفو وخفض الجناح وتغليب نفسيّة التغافر بين ظهراني أفراد المجتمع المسلم، فقال عزّ من قائل  في وصف القوم الذين يحبّهم ويحبّونه: “أذلّة على المؤمنين”(المائدة54) فكما أن المودة والألفة تشدّان بنيان المجتمع وتجعلان لبناته مرصوصة بعضها إلى بعض، كذلك فإن خفض الجناح وذلّة المؤمنين فيما بينهم يعدّان سياجاً أمنياً حافظاً لذاك البنيان من التآكل والانهيار، فهما يصونان الصرح الأخويّ من عوامل التعرية المتمثلة في الضغائن والشحناء، اللتين تتسلّلان إلى القلوب على حين غفلة من أهلها فتعشّشان فيها!

فهذه الآية القرآنية الكريمة جاءت لكشف حال من اجتباهم ربّهم، فأتت بهم المقادير الربّانية نموذجا يُحتذى بهم ويُـقتدى! فجاءت في طليعة صفاتهم ومناقبهم الخُلُقيّة أنهم ” أذلّة على المؤمنين أعزة على الكافرين” ومن تأمّل هذه الآية وجد شيئا بهيّاً  مفاده : أنّ القياس اللغوي أن يُقال ( أذلة للمؤمنين ) لا ( على المؤمنين ) كما يُقال : تذلّل لفلان لا عليه ! كما في قوله تعالى في باب برّ الوالدين: “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة” ( الإسراء 24) فلا يُقال تذلّل عليه ! للمنافاة بين التذلّل والعلوّ، ولكنه عُدّي بـحرف الجر ( على ) لتضمينه معنى العطف والحُنُو المتعدّي بها ؛ فالذلّ هنا بمعنى لين الجانب وتوطئة الكنف، وهو شدّة الرّحمة ولذلك علّق به قوله {على المؤمنين}فلتضمين أذلّة معنى مشفقين حانّين عُدّي بـ (على ) دون اللام !

و( أذلة ) : جمع ذليل ولمّا كان ذلّهم هذا إنما هو الرفق ولين الجانب لا الهوان، كان في الحقيقة عِزّا، فلذا أشار إليه بحرف الاستعلاء(على)مضمّناً له معنى الشفقة فبان أن تواضعهم عن علوّ منصب وشرف ( على المؤمنين ) .

ذلك أن المرء قد يتردّد في الصفح والعفو خشية أن يُنعت بالذل، فجاء حرف الاستعلاء ليبدّد هذا الوهم، وليقرّر بأنهم بعفوهم وصفحهم عن إخوانهم وخفض جناحهم لهم قد علت مرتبتهم الإيمانية، وعلت منزلتهم على منزلة غيرهم جرّاء هذا العفو والصفح الذي يوحي بتواضعهم لإخوانهم، وذا تصديق وتحقيق لقوله عليه الصلاة والسلام 🙁وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم] فقوله عليه الصلاة والسلام ( رفعه الله ) أي :يرفعه في الدنيا، ويُثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس، ويجلّ مكانه مع ما ينتظره من رِفعة درجة وعلوّ مقام في الآخرة .

حليمٌ إذا ما الحِلمُ زيّنَ أهله   ……….  مع الحِلمِ في عينِ العدوِّ مَهيبُ

تصنيفات :