ضيف العدد
أ.د. حسين الترتوري
- لو يعرفنا فضيلة الأستاذ الدكتور حسين بنفسه، ويحدثنا عن مسيرته العلمية والأكاديمية.
اسمي: حسين مطاوع حسين الترتوري، ولدت في مدينة الخليل سنة 1954م، وأصل العائلة من الفالوجة احتلها اليهود سنة 1948. وتقع الفالوجة بين غزة والخليل، وهي أقرب لغزة لذا كانت تابعة إداريا لها. وقد هَجَّرَ اليهود كل أهل الفالوجة، ودمروها؛ دمروا البلدية، ومدارس الذكور والإناث، وسوقها التجاري، ومساكن الناس. هُجِّرَ أكثر عائلتي لغزة، وبعضهم لشرق الأردن، وبعضهم للخليل. وتلقيت تعليمي الابتدائي والمتوسط في المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين في الخليل ودرست الأول الثانوي في المدرسة الإبراهيمية، والثاني والثالث الثانوي في مدرسة الحسين بن علي. وكان كل أبناء محافظة الخليل يدرسون التوجيهي في الخليل؛ العلمي في مدرسة الحسين، والأدبي في المدرسة الإبراهيمية. حصلت على الشهادة الثانوية العامة، وتوجهت للدراسة في الجامعة الأردنية، وكعادة الأهل؛ الآباء والأمهات معظمهم يرغب أن يدرس ابنه الطب، وكان والداي رحمهما الله منهم، وكان معدلي يؤهلني للدخول في كلية العلوم للمنافسة على الدخول في كلية الطب، حيث كان نظام الجامعة الأردنية وقتها يقبل الطلاب الراغبين في دراسة الطب والعلوم في كلية العلوم، ويختار أعلاهم معدلا في السنة الأولى لدراسة الطب. وساق الله لي زميلا كان سابقا لي بسنة وأقنعني أن أدرس الشريعة، وشرح الله صدري وحولت ملفي قبل أن أدخل كلية العلوم لكلية الشريعة، ولما أرسلت لوالديَّ ذلك أرسل لي والدي رسالة أبدى فيها سروره، ولله الحمد.
درست في كلية الشريعة على يد أساتذة كبار كانوا قدوات لنا، أفادونا علما وخلقا وعملا فجزاهم الله خيرا. وتخرجت من كلية الشريعة بتقدير ممتاز ولله الحمد، وواصلت دراسة الماجستير في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، وكان عنوان رسالتي: المشترك ودلالته على الأحكام الشرعية، وسجلت بعدها مباشرة في برنامج الدكتوراه في الجامعة نفسها، وأصبح اسمها جامعة أم القرى، وتخرجت سنة 1982م بتقدير ممتاز، وكان عنوان رسالتي: حروف المعاني وأثرها في اختلاف الفقهاء. تلقيت العلم في مرحلتي الماجستير والدكتوراه على يد أساتذة علماء عظام، جلهم من جهابذة علماء الأزهر.
عملت بعد تخرجي مباشرة أستاذا مساعدا في جامعة الملك سعود سنتين، وهي من أكبر جامعات الوطن العربي، إن لم تكن أكبرها. ثم استقلت وعملت أستاذا مساعدا في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس سنة واحدة، ثم عدت للعمل في جامعة الملك سعود فعملت بها خمس عشرة سنة متصلة. وترقيت فيها لرتبة أستاذ مشارك سنة 1988م، ثم لرتبة أستاذ سنة 1994م، واستفدت من عملي فيها خبرة واسعة من خلال احتكاكي بزملاء من جل جنسيات العالم العربي، ومن جنسيات متعددة من العالم الإسلامي. فكان عملي فيها فرصة لإفادة أبنائي من طلبة العلم الجادين الذين درستهم وأشرفت على رسائلهم وناقشتها في برنامجي الماجستير والدكتوراه.
استقلت من عملي في جامعة الملك سعود سنة 2000م، والتحقت بالعمل في جامعة الخليل، وكلفت بعمادة الدراسات العليا سنة 2007م، ولم أستمر طويلا حيث كلفت وزيرا للأوقاف في حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة في السنة ذاتها، وبعد ثلاثة أشهر تم حل الحكومة، فعدت لعملي في جامعة الخليل وكُلفت بعمادة كلية الشريعة من سنة 2007-2017، وأتيحت لي فرصة خدمة جامعتي وأبنائي الطلبة، بالتعاون مع زملائي، فأشرفت وناقشت عشرات الرسائل في برنامجي الدكتوراه والماجستير. وتطورت الجامعة تطورا ملحوظا؛ من الناحية الأكاديمية وجودة التعليم، والبحث العلمي، وهذا يبعث في نفسي العزة والفخر بانتمائي لجامعة الخليل، وما زلت أعمل فيها.
- كلمة يوجهها فضيلة الدكتور لطلابه وطلاب العلم الشرعي على مقاعد الدراسة، وأسرار النجاح الذي أوصل الدكتور حسين لما هو عليه الآن.
إذا كنت وصلت إلى ما يرضي ربي، فهذا بفضل من الله وتوفيقه عزَّ وجلَّ، وهو القائل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} النحل 53. ووصيتي لأبنائي من طلاب العلم، وهي لي كذلك، الإخلاص في طلبه، وأن يتقوا الله فإنها سبيل تحصيل العلم، وسبيل تيسير الأمور، كما قال الله عز وجل: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} البقرة 282، وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } الطلاق2. وأن يجتهدوا ويثابروا في طلب العلم، فإنهما سبيل الرفعة، ومغفرة الذنوب، ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة 11، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه أبو داود وصححه الألباني. وأن يعملوا بما علموا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري.
- يعد الدكتور حسين صاحب تجربة متنوعة في التدريس والتعليم في مناطق مختلفة، ما هي أهم الوصايا والنصائح التي يسديها لطلابه وتلاميذه ممن صاروا أساتذة ومحاضرين جامعيين؟
أعتز ولله الحمد بأن درَّست طلاب علم جادِّين في مراحل البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، وأصبح بعضهم زملاء لي، وكم أنا فخور بهم وبما وصلوا إليه. وأهم نصائحي لهم، وهي تذكرة لي؛ أولاً: الإخلاص في التعلُّم والتعليم، ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وطمعا في الثواب، والله عز وجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } البينة5. وثانياً: أن يتبعوا العلمَ والإخلاصَ العمل، وآية سورة البينة واضحة في ذلك، فقد أُتبعت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالإخلاص. وقال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56. ورحم الله الإمام البخاري لما ترجم في صحيحه بابا سماه: (العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ). وثالثا: الاستزادة في طلب العلم، فلا يحصل عطاء المعلم إلا إذا كان ممتلئاً، غزير العلم، عندها يفيض على من حوله، كالإناء إذا امتلأ. ورابعاً: أن لا تخالف أفعالُهُم أقوالَهم، يقول الله عز وجل: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف3. وبذلك تحصل بهم القدوة الحسنة؛ لأن الداعية يؤثر بأفعاله أكثر من أقواله، فإذا قال خيراً، ووافق فعلُه قولَه أَثَّر بغيره.
- تعيش الحالة العلمية الشرعية في فلسطين تطورا جديدا مع فتح برنامج الدكتوراه، كيف يقرأ الدكتور هذا الوضع الجديد؟
فتحُ برنامج دكتوراه الفقه وأصوله المشترك بين جامعات القدس والخليل والنجاح مفخرة لفلسطين، فإنه لم يوافق عليه من قِبَل هيئة الاعتماد والجودة إلا بعد أن استكمل الشروط كافة؛ الأكاديمية في الدرجة الأولى. وكون البرنامج مشتركا، أضاف له ميزة أخرى، وهي أن الطالب يستفيد من علم وخبرات أساتذة أعرق جامعات الوطن في العلم الشرعي ممن وصلوا لدرجة أستاذ، وأستاذ مشارك ويتمتعون بكفاءة عالية. وبهذه المناسبة أنصح أبنائي الحرص على الاستفادة من أساتذتهم في الجامعات الثلاث، وأن يدرس ابن جامعة الخليل في جامعتي القدس والنجاح، وكذا أبناء جامعتي القدس والنجاح، نصيحتي لهم أن يدرسوا في الجامعات الثلاث. وقديما كانوا يمدحون العلماء بكثرة شيوخهم وتعددهم، وأن لهم رحلةً في طلب العلم، وما زالت هذه المعايير معتبرة.
- هل نعيش اليوم حالة تخمة أكاديمية وتراجع في دور حملة العلم الشرعي المجتمعي والميداني؟ وكيف يوازن الأكاديمي بين المتطلبات الأكاديمية والواجب الدعوي؟
زيادة عدد المتعلمين في العلوم الشرعية، كمَّاً وكيفا علامة صحة من حيث المبدأ. وإن وُجدت بعض حالات القصور في العمل الدعوي، فهذا راجع للشخص ذاته، لا لانشغاله في طلب العلم. والمطلوب من طالب العلم الشرعي مهما زاد علمه أن يوازن بين طلب العلم وبين الدعوة إلى الله والعمل. من أهم شروط نجاح الداعية أن يكون عالما، فيدعو إلى الله على بصيرة، قال الله عز وجل: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يوسف. 108. والعلم سبب لمعرفة الله قال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد 19، وأذكر نفسي وإخواني الدعاة بأنه لا يكفي في الداعية أن يكون صالحا، بل يتوجب عليه أن يكون مصلحا، حتى يحمي نفسه وأمته من الهلاك، وقد روى البخاري عن زينب بنت جحش أنها قالت: {يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ»)، وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم مقرر في كتاب الله عز وجل القائل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}هود117.
- كيف تقيِّمُ دور علماء فلسطين ودعاتها في مواجهة ما يعرف بسيداو ومخططات هدم الأسرة والجيل؟ وما هو المطلوب منهم في هذا السياق.
اتفاقية سيداو: هي اتفاقية دولية هدفها القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، ومساواتها بالرجل، وإعطائها حقوقا لم تكن تتمتع بها في كثير من دول العالم. والحق أن كثيراً مما ورد في الاتفاقية قرره الإسلام منذ بعثة الرسول محمد r في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله r، قبل هذه الاتفاقية بخمسة عشر قرنا. فساوى الإسلام بين المرأة وبين الرجل في أصل الخلقة، وفي الكرامة والإنسانية، وأمام القانون، وفي الحقوق والواجبات الاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، وساوى المرأة بالرجل عندما أعطاها أهلية التملك والتصرف في مالها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة. وجعل الإسلام مسؤولية المرأة مشتركة مع الرجل في بناء المجتمع وتوجيهه نحو الخير والصلاح، ويتمثل هذا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الرجال والنساء بلا فرق. وقدَّم الرسول r حق الأم على حق الأب في البر والصلة والإحسان، ونهى الرسولُ r وليَ المرأة عن تزويجها بغير إذنها، أو إكراهها على الزواج، وجعل الأمر لها، والحديث في هذا يطول. أما حين ينظر الإسلام إلى المرأة بصفتها أنثى، وينظر إلى الرجل بوصفه ذكرا، فقد سَنَّ من التشريعات ما يخدم حاجات كل طرف ويحقق المصالح المشتركة لهما مراعيا الفروق بينهما كلٌ بما يناسب طبيعته، وصدق الله U القائل: { قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} البقرة 140، والقائل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة 50. وأكتب الآن بحثا في مراحله الأخيرة تبين لي فيه الضرر الواقع على المرأة من تطبيق بعض مواد اتفاقية سيداو. والذي أراه أن موقف العلماء والدعاة ببيان تعارض بعض بنود هذه الاتفاقية مع ثوابت الإسلام موفق، حقق واجب النهي عن المنكر، وأدعو إخواني العلماء أن يسلطوا الضوء بأبحاث علمية على المواد المخالفة للإسلام في هذه الاتفاقية، وأن يخاطبوا الجهات المسؤولة ببيان محاذير تطبيق ما يتعارض منها مع الإسلام.
وفي الختام أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يوفقنا لهداه ورضاه وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأن يرحمنا ويرحمهم، وأن يصلح لنا أنفسنا وذرياتنا، وأن يلهمنا رشدنا. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تصنيفات : قضايا و مقالات