حكم الجوائز المصرفية، د. مأمون بن وجيه بن أحمد الرفاعي، أستاذ الاقتصاد الإٍسلامي في كلية الشريعة بجامعة النجاح
الحمدُ لله ربِّ العالمَين ، حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، والصلاةُ والسَّلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد ﷺ ؛ أما بعد:
مشروعية الجائزة:
ثبتت في قولِ الله صلى الله عليه وسلم : ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾[1]. قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا من باب الجُعالة)[2].
وقال رسولُ الله ﷺ: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ. قَالَ: وما جَائِزَتُهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ، فَما كانَ ورَاءَ ذلكَ فَهو صَدَقَةٌ عليه) [3]. قال السيوطي رحمه الله تعالى: (جائزتُه أي مِنحتُه وعَطيَّتُه وإتحافُه بأفضل ما يقدر عليه) [4].
وقال رسولُ الله ﷺ – في وصيته عند موته-: (أخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وأَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) [5]؛ أي: أَعْطوهم جائزتَهم وحقَّهم مِنَ الضِّيافةِ، وكانت جائزةُ الواحدِ على عَهْدِه ﷺ وُقِيَّةً من فِضَّةٍ، و”الوفدُ”: هم مَنْ يَقصِدون الزُّعماءَ لشأنٍ مِنْ شؤونِ قومِهم[6].
حُكمُ الجوائزِ التي تُقدِّمُها المَصارِفُ –البُنُوكُ– الإِسْلامِيّة:
اختلف الفقهاءُ المعاصرون في حكم الجوائز التي يقدمها المَصرِفُ الإسلامي؛ كما يأتي:
الذي يترجَّح لي أنَّ هذه الجوائزَ إذا كانت مقدمةً من طرف المَصرِفِ الإسلامي، بأيِّ شكلٍ مِن الأشكالِ المشروعة، وبغضِّ النظرِ عن وجودِ حساباتِ التوفير ، أو شهادات الاستثمار “ذات الجوائز” [7]؛ فهي مُباحَةٌ يجوز أخذُها؛ لأنّها تشجيعٌ من المَصرِفِ لاستقطاب أكثر عددٍ ممكنٍ من العملاء -المعتَمَدين- بطريقةٍ لا تفضي إلى محظورٍ شرعاً. وهذا لا يُشبه الرِّهانَ المحرَّمَ أو القِمار؛ لأن العميلَ لم يدفعْ شيئاً؛ فيغنم أو يغرم بناءً على شرطٍ ظالِمٍ أو نتائجَ مجهولة، وإنما يودِع مالَه ليُستثـمَرَ له ؛ والله أعلم.
⬖ أما إذا كانت هذه الجوائزُ مقدمةً من طرف المَصرِفِ الإسلامي، بِناءً على وجودِ حساباتِ التوفير، وهي من أنواع الحسابات المصرفية التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، التي يستحق فيها المودِعُ عائداً، كما يتيح له إمكانيةَ سحب الأموال وإيداعها بحرية، فإنَّ هذا النوعَ من الحسابات في المصارف الإسلامية يحتكم لأحكامِ عقدِ المـُضارَبة-المُتَّفقِ على جوازه شرعاً-؛ فالمَصرِفُ هو المضارِب، وأصحابُ حسابات التوفير هم أربابُ الأموال-المالِكون-.
✺ وقد أجاز العلماءُ للمُضارِب أن يعطيَ الهدايا أو الجوائزَ لصاحب المال-المالِك- بشروط:
1- أن لا تكون هذه الأموالُ من أرباح المضاربة؛ لأنه لا يجوز للمُضارِب أن يتبرعَ بشيءٍ من أموال المـُضارَبة دون إذن صاحب المال.
2- أن لا تؤدي هذه الجوائزُ إلى ضمان رأس مال المضاربة – على المـُضارِب -.
3- أن لا يكون من الأرباح العامة للمَصرِف؛ لأن المودِعين لهم حقٌّ في هذه الأموال، ولا يجوز التبرّعُ من أموالهم بغير إذنهم.
ولذلك تُعَدُّ الجوائزُ التي توزعها المصارفُ الإسلاميةُ على أصحاب حسابات التوفير من قبيل الهِبة، وتكون وَعداً مُلزِماً إذا سبق الإعلانُ عنها؛ وقد جاء في قرار مجلس الإفتاء الأُردني رقم (53): “يجوز شرعاً لمجلس إدارة البنك الإسلامي أن يوزعَ جوائزَ تشجيعيةً نقديةً أو عينية، أو تحمُّلُ نفقات الحج أو العمرة، أو نحو ذلك، على أصحاب الحسابات الاستثمارية إذا كان مخولاً بذلك، بشرط أن تكون هذه الجوائزُ من أرباح البنك الخاصة”. وعليه؛ فيجوز للمودِعين في المصارف الإسلامية أخذُ جوائزَ على حسابات التوفير. والله أعلم [8].
حُكمُ الجوائزِ التي تُقدِّمُها البُنُوكُ التِّجارِيّة -الرِّبَوِيّة-
يحرم على المسلم أن يتعامل مع البنوك الربوية، قولاً واحداً ، فهي مؤسساتٌ أعلنتْ الحربَ على الله -والعياذ بالله- . وطبيعةُ عملها كلِّه يقوم على أساس الربا ، الذي هو المصدرُ الأساسُ للايرادات والأرباح وكافّة المعاملات المَصرِفيّة [9]. ومن المتفق عليه بين علماء الإسلام حرمةُ الزيادةِ على القَرض، إضافةً إلى أن هذه الجوائزِ من باب القِمار [10].
ويجب على مَن حصل على الجائزة المحرمة أن يتخلصَ منها بصرفها في المصالح العامة للمسلمين؛ كالمستشفيات والمدارس والجمعيات الخيرية التي تساعد اليتامى والفقراء، فقد سُئل شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ رحمه الله:”عن رجلٍ مُرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله، فهل يكون المالُ حلالاً للولد بالميراث أم لا ؟ فأجاب: أما القَدْرُ الذي يعلم الولد أنه رباً، فيخرِجه؛ إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به. والباقي لا يحرم عليه” [11].
وورد في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وفي فتوى دار الإفتاء الأُردنية: “إذا منح البنكُ الربويُ عَميلَه صاحبَ الحساب المحرَّم جائزةً في مقابل ذلك، فهي جائزةٌ مترتبةٌ على الحرام، ولا يحل للمسلم الاستفادةُ منها، بل يتخلص منها بتوزيعها على الفقراء والمساكين ومصالح المسلمين”؛ كالمستشفيات والمدارس والجمعيات الخيرية [12].
[1] سورة يوسف، آبة 72 .
[2] ابن كثير، تفسير القران العظيم، (2-486)، دار الفكر، بيروت ، 1401ه.
[3] أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، برقم(5673)، (5/2240). ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب اللقطة، برقم(1726)، (3/1352).
[4] السيوطي، تنوير الحوالك، (1/-224).
[5] أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجزية، برقم(3186)، (3/313). ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب الوصية، برقم(1637)، (3/1175).
[6] النووي، شرح صحيح مسلم، (3/1175).
[7]شهادات الاستثمار : هي الورقة التي تثبت الحق في المبلغ المودع لدى المصرف، والتي تخضع لنظام القرض وللنظم والقوانين الخاصة بها. وتضمن حق المودع في الأموال التي تم إيداعها بهدف الادخار.وتعطي شهادةُ الاستثمار ربحاً مستمراً للعميل طوال مدة سريانها.
[8] انظر: موقع دار الإفتاء الأُردنية . موقع الشبكة الإسلامية على شبكة الإنترنت. شبكة يسألونك الإسلامية.
[9] السالوس، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، (1-150)، دار الثقافة، الدوحة، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، 1418ه-1998م.
[10] ابن قُدامة، المغني، (4/240).
[11] مجموع الفتاوى، 29/307 .
[12] http://www.aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=471#.VkqgKF7LKSp .
تصنيفات : قضايا و مقالات