أرض الإسراء..
بين الصِدّيقين والجاحِدين صاحبت رحلة الإسراء والمعراج طائفة من المواقف والدروس التي لا تزال تمثل نبراساً للأمة ومرشداً لأبنائها في طريقهم الرباني واتباعهم المنهج النبوي، فمن التسرية عن النبي ﷺ والتخفيف عنه بعد فترة ملؤها التعب والألم، إلى إمامته في الأنبياء في أرض المسجد الأقصى وتسلم الراية منهم، إلى استقبال أهل السماء له بعد أن تركه أهل الأرض، إلى ما شاهده من آيات ودلائل لم تُفتح لأحد من قبله ﷺ { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ} [النجم:18]. إلا أن هناك درساً قد علمته هذه الرحلة لكل أتباع النبي ﷺ على امتداد الأيام والدهور.. ألا وهو التمييز بين الصِدّيقين الذين يؤمنون بموعود الله وبشرى نبيه ﷺ وبين المرجفين الذين لا يصدقون إلا بما يرونه بأعينهم، بين الصديقين الذين يُسلمون لله جل وعلا وأمره وبين المرجفين الذين لا يؤمنون إلا بالقوى المادية والأسباب البشرية.. ولنقارن بين موقف الصِدّيقين والمرجفين تلك الفترة يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن تكذيب أهل مكة لتلك الرحلة المباركة (فمن بين مصفِّقٍ، ومن بين واضعٍ يدَه على رأسه متعجِّبًا للكذب) رواه أحمد وهو صحيح، وبين ما ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن موقف الصديق فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لمّا أُسْري بالنبيّ ﷺ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدّث الناس بذلك، فارتدّ ناس ممّن آمن، وسعوا إِلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنّه أُسْريَ به الليلة إِلى بيت المقدس! قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدِّقه! قال: نعم، إِني لأصدِّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي الصدِّيق) رواه الحاكم وهو صحيح، ومن ذلك الموقف أضحى أبو بكر يسمى بالصديق ليكون مرشداً وقائداً لكل صدّيقي هذه الأمة {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]. وكأن دور أرض الإسراء لم يزل حاضراً في التفريق بين الصدّيقين والمرجفين، بين أتباع الرحمن وأتباع الشيطان، بين الواثقين بوعد الله والجاحدين له.. ولا زالت أرض الإسراء المباركة تمايز بين الصدّيقين المدافعين عن هذه الأرض المباركة، وبين المرجفين الذين باعوا وخانوا تلك الديار.. لا تزال أرض الإسراء تفرق بين الصدّيقين الناصرين للمسجد الأقصى المبارك والمرابطين في ساحاته، وبين المهرولين لأحضان أعدائهم الساعين لرضاهم، لا تزال أرض الإسراء تكشف صدق القائمين بأمر الله الناصرين لجنده في كل هذه الأرض، وبين من فرّط وضيّع أمر الله.. وتلك واحدة من مهام بيت المقدس وأرض الإسراء في كل حين في التفريق بين الصِدّيقين والجاحدين..
تصنيفات : قضايا و مقالات