ومضات في ذكرى الإسراء والمعراج
قال تعالى: (سُبحانَ الذي أَسـرى بِعبدهِ ليلاً مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأَقصى الذي بارَكْنا حَوْلَه لِنُريَهُ مِن آياتِنا إنّه هو السميعُ البصيرً) [الإسراء:1] الومضة الأولى: قوله تعالى: (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) فيه وصف جامع بينهما، يرتكز على صفة المسجد بالدرجة الأولى ولا شيء غير ذلك، فالمسجد الأقصى بنصّ القرآن الكريم ليس بهيكل ولا كنيس ولا كنيسة ولا دير ولا قصر، وهو بهذا الوصف يكون مُلكا لله تعالى الذي هو أعلم حيث يجعل رسالته، وهو ملك لرسله الذين هم أولى باستخلاف ملكيته وتحقيق أمر الله فيه بعبادة الله تعالى وتعظيمه وتقديسه، وليس للسياسة ولا للملك الدنيوي ولا لحسابات أصحاب الأهواء والمصالح الدنيوية أي حق في التصرف فيه أو التفاوض في شأنه أو التنازل عن ذرة تراب منه، كما أنه بحكم ختم النبوة والرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم فإن أتباع آخر نبي ورسول وهم المسلمون قطعاً هم وحدهم المسؤولون عن حمايته وحفظ وظيفته وحرمته. وقد جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يثبت أنّ الأقصى كان مسجداً منذ بنائه، وهو الآن مسجد كذلك وسيبقى كذلك بإذن الله تعالى ومن ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله أي مسجد وُضِع في الأرض أوّل؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قال: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة) ويخبرنا النبيُ أن سليمان عليه السلام الذي يزعم اليهودُ أنه بنى هيكلاً في هذا المكان أنه في الحقيقة جدد بناء المسجد الأقصى وأنه سماه مسجداً قال عليه الصلاة والسلام: ( لمَّا فرغ سُليمانُ بنُ داودَ عليهما السَّلامُ من بناءِ بيتِ المقدسِ سأل اللهَ عزَّ وجلَّ ثلاثًا، أن يُؤتيَه حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه، ومُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه، وأنَّه لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يُريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه إلَّا خرج من ذنوبِه كيومِ ولدَتْه أمُّه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أما اثنتيْن فقد أُعْطِيهما وأرجو أن يكونَ قد أُعْطِي الثَّالثةَ) أخرجه ابن ماجه (1408) والنسائي (693)، وأحمد (6644) الومضة الثانية: حينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة (135) ميلادية الوجود اليهودي تماماً؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود بل من الرومان، وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين، وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من (25) قرناً، سنة (486) قبل الميلاد، والآن يزعم اليهود أنهم أصحاب حق تاريخي في القدس مع أن العرب اليبوسيين والكنعانيين سكنوها قبل الميلاد بثلاثين قرناً، ثم أخذها المسلمون منذ أربعة عشر قرناً فأين حقهم الذي يتكلمون عنه؟ هم يعلمون أن لا حق لهم ومن أنشأ كيانهم يعلم ذلك ومن يؤيدهم من الغرب ومن بعض العرب يعلم ذلك أيضاً، لكنه منطق القوة والجبروت والبلطجة هو ما يستندون إليه ولا شيء غير ذلك. الومضة الثالثة: قول الله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فيه إشارة ضمنية إلى مسألة المعراج، إذ لم يكن المسجد الأقصى هو الهدف النهائي من الرحلة وإنما هو المحطة التي منها سيعرج إلى عالم الملكوت، لأن الآيات التي رآها النبي عليه الصلاة والسلام كانت في السموات وهو ما جاء في سورة النجم: (والنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) ) إذاً سورة الإسراء تحدثت عن معجزة الإسراء وأشارت كذلك إلى المعجزة الأكبر وهي العروج إلى السماوات العلى. والله تعالى أعلم.
تصنيفات : قضايا و مقالات