أحكام صدقة الفطر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
من مقاصد الشريعة الإسلامية، والضرورات التي نزل بها كل دين من السماء ليحافظ عليها (حفظ الدين، وحفظ النفس البشرية)، وصدقة الفطر –التي أمر الشارع الحكيم بها كل مسلم في نهاية شهر رمضان- تندرج في إطار مقصد الحفاظ على الدين ومقصد الحفاظ على النفس، كما تندرج أيضاً في إطار أصول الشريعة الإسلامية الكلية العامة وقواعدها الأساسية، التي بني عليها الكثير من الأحكام وتعتبر أصلاً ودليلاً لها، كجلب المصالح ودرء المفاسد ودفع الضرر.
لذا فكل ما يحقق مقصداً من المقاصد الضرورية الخمسة أو يندرج تحت أصل من أصول الشريعة الكلية العامة وقواعدها الأساسية، فإنه -بلا شك- من الأمور التي قصدها الشارع الحكيم، وهدف من أهداف الرسالة السماوية.
وصدقة الفطر التي أمر بها الصائم في نهاية الشهر الكريم تدخل في إطار ما ذكرناه من المقاصد والقواعد العامة، فكيف إذا جاءت النصوص الصحيحة بالأمر بها؟! فهي داخلة في عموم النصوص القرآنية، وصريح السنة النبوية، وإجماع أمة الإسلام على مشروعيتها.
فمن الأدلة التي تدخل (صدقة الفطر) في عمومها من القرآن قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: ١٤ – ١٥]، أما الأدلة الصريحة من السنة النبوية، ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أخرجه مسلم .
والإجماع واضح في هذه المسألة، فقد أجمع علماء الإسلام على مشروعية صدقة الفطر، بل أجمعوا على أنها فرض تجب على المرء إذا تمكن من ذلك، وبالتالي فهي واجبة على كل مسلم مالك قوته وقوت عياله وحوائجه الأساسية يوم العيد وليلته، إذا زاد على ذلك مقدار صاع من طعام، فتجب بهذا على كل نفس مسلمة ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أو كبيراً، بمقدار صاع من طعام ، للحديث الشريف الذي روي عن ابن عمر رضي الله عنه: (نَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ -وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم- ) أخرجه البخاري، ومسلم.
والمقصود بالطعام، غالب طعام أهل البلد، وتقدر قيمته في هذه الأيام بـ(دينارين) من العملة الأردنية تقريباً، ويرى أكثر العلماء بأن إخراج القيمة المالية لا تجزئ عن إخراجها طعاماً.
أما وقت إخراج صدقة الفطر، فيختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً بيناً، ومن أهل العلم من يرجح رأي أصحاب القول القائلين بأنها تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، والحجة في ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ) أخرجه أبو داود وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
وزكاة الفطر كبقية التشريعات الربانية، لها حكمها العظيمة وآثارها الإيجابية على حياة الناس، ابتداء من المسلم الذي يؤديها، وانتهاءً بالفقراء والمساكين وعموم المجتمع المسلم. فمن آثارها الواضحة:
أولاً: طهرة للصائم من اللغو والرفث. ولا يخلو المسلم الصائم مما وقع فيه من لغو وإثم أثناء صيامه في رمضان، فتأتي هذه الصدقة لتزكي نفسه وتطهر روحه.
ثانياً: طعمة للفقراء والمساكين. وكم في المجتمعات الإسلامية من لا يملك طعامه وطعام عياله يوم العيد!! فتأتي هذه الصدقة بلسماً لتسد جوعة هؤلاء المساكين، وتغنيهم عن السؤال والمذلة أمام الناس.
ثالثاً: فسح المجال لأبناء المساكين وعيالهم ليشاركوا المسلمين فرحة يوم العيد، وكيف يفرح أبناء الفقراء وعيالهم وهم لا يملكون ما يسد جوعتهم يوم العيد؟! فتأتي هذه الصدقة لتفسح المجال أمامهم ويشاركوا المسلمين فرحة العيد.
رابعاً: صدقة الفطر من تمام شكر الصائم على نعم الله الظاهرة والباطنة، وعلى رأسها أن وفقه الله سبحانه لأداء فريضة الصيام كاملة وبصحة جيدة، والتي يرجو منها الجزاء العظيم من الله سبحانه يوم القيامة، ففي الحديث: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) اخرجه البخاري.
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
تصنيفات : قضايا و مقالات