الحمد الله الذي جعل خير الزاد التقوى، وجعل من أيام دهرنا نفحات، وجعل خير النفحات في رمضان، وجعل خير رمضان العشر الأواخر، وجعل أفضل العشر ليلة القدر، وقد فُضّلت على ألف شهر، وأخفاها لكي يتنافس في إدراكها المتنافسون، ويجتهد العاملون، ويتقرب المتقربون، ثم الصلاة والسلام على أفصل المتقين، وخير العابدين، وأقرب العاكفين، الذي أمرنا بتحرّي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان _ سيما الليالي الوترية منها _.
أما الاعتكاف فهو المكوث في المسجد بنيّة مخصوصة ألا وهي التعبد فأقل الاعتكاف كما قرر الفقهاء هو لحظة بأن يقول المصلّي:” نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه”، وهذا في أي وقت من العام وأفضله في العشر الأواخر من رمضان، ولا حد لأكثره ما لم يخل بواجباته، أما في رمضان فيسن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان في المساجد سيما في المساجد الثلاثة الحرام والنبوي والأقصى المبارك.
ولا يخفى ما لخصوص الاعتكاف في شهر رمضان من فضيلة في تزكية النفس وتطهير القلب وتجديد الإيمان، وحلاوة الإيمان مما لا يحرم منها معتكف، كما ولا يخفى ما في كون ذلك الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك من اجتماع تكثير الأجور بفضيلة الزمان الذي يوافق ليلة القدر في إحدى لياليه، وتكثيرها بفضل المكان وهو المسجد الأقصى المبارك، مع تكثير أجره بفضيلة المصابرة على الواقع المرير الذي يمر به المسجد الأقصى في هذه المرحلة الحرجة وما فيه من تضييق وقيود على العاكفين والركع السجود، ولا أظنك أيها المعتكف الكريم تغفل عن هذا.
أمّا الذي نراه حريا بمزيد تنبيه هو بعض الآداب التي ربّما يغفل عنها بعص العاكفين والركع والسجود في جنبات هذه البيت المقدس، والتي ربما يغفل عنها البعض بعدة ذرائع ومن أبرزها عدم الإخلال بتمام الاعتكاف وعدم الخروج من المسجد، ومن هذه الآداب ما يلي :
أولا : المحافظة على نظافة المكان الحسّية بعدم تلويث مرافق المسجد ببقايا الطعام والشراب، أو تلويث المراحيض، أو حتى بعض مساحات المسجد _خصوصا مناطق الأشجار الشرقيّة _ ببعض المخلفات البشرية التي قد تصل للأسف الى التلويث بالبول والغائط كما في ليلة القدر، أو رائحة الجوارب المتسخة على السجاد … إلخ .
ثانيا: مشاركة السدنة والحرس في أعمال تنظيف المسجد باستمرار وكلما دعت الحاجة والله قد أمر سيدنا إبراهيم عليه السلام بتطهير المسجد الحرام للعاكفين فقال سبحانه : {أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } [ البقرة / 125] وللمسجد الأقصى ما للمسجد الحرام في هذا الأمر.
ثالثا: المحافظة على النظافة الشخصية بالاستحمام الدائم والتعطر والتزين ولو بالخروج من المسجد الى السكن أو إلى فندق قريب للمقتدر، والمقدر عند الفقهاء جواز الخروج من المسجد للحاجة كجلب الطعام أو الاغتسال أو قضاء الحاجة فلا داعي للتشنج والتشديد على النفس بما له صورة سلبية على صورة المعتكف أو قدسية المكان _ وخصوصا أن موضوع الاعتكاف هو تزكية النفس أساسا. وإن من أبرز مظاهر التزكية النبوية التي جاء بها جميع الأنبياء هو النظافة وحسن المظهر، فهي ظاهر حال المقتدي بهم.
رابعا: عدم التلويث البصري للمكان بإشاعة الفوضى والكركبة ونشر الغسيل على مرافق المسجد وفي هذا إساءة بالغة الى قدسية المكان وهيبته، ويمكن الخروج إلى بعض المغاسل “الدراي كلين ” ودفع أجره زهيدة لغسل الملابس واستردادها نظيفة ومكوية.
خامسا: تجنّب النوم في أوقات توافد المصلين على المسجد، بل الأفضل أن يتحرّى المعتكف الأمكنة الأبعد كالمصلى المرواني أو المصلى القديم للنوم، مع ضرورة الالتزام بترتيب الأغراض الشخصية لأن في الفوضى إضرار بالمظهر العام.
سادسا: الحرص على آداب المكان السلوكية بخفض الأصوات وتجنّب المظاهر المخلّة بهيبة المكان خصوصا أن صور المسجد الأقصى تنقل إلى جميع أنحاء الدنيا بوسائل الإعلام الاجتماعي وغيرها.
سائلين الله عز وجل أن يلهمنا وإياكم رشدنا وأن يتقبل منّا ومنكم الطاعات
تصنيفات : قضايا و مقالات