هل يوجد شيء اسمه بر الآباء للأبناء؟ المشهور هو بر الأبناء للآباء، والتركيز يكون دائماّ على كبيرة العقوق، وأن الأبناء هم الملومون دوماً، وفي هذه الصورة النمطية ظلم وتجنٍّ بحق الأبناء، في غالب الأحيان، وفي هذه الأسطر المتواضعة، نوّد أن نبيّن وباختصار بعض حقوق الأبناء على الآباء، لأن العنوان كبير ولا يفيه مقال مختزل ومختصر لكنه جهد المقل.
أولاً: إذا كان الوالدان من الأساس لا يحسنان التربية؟ فمثلما ثمة عقوق من الأبناء هناك عقوق من الآباء؛ “فالأم والأب” اللذان يدعوان على ابنهما في كل صغيرة وكبيرة، ويكيلان له السباب والشتائم، فأرى أن هذا السلوك من الآباء أيضاً عقوق بل في منتهى الإيذاء؛ فالتربية ليست باللعن والتوبيخ! وبعد هذا الإيذاء اللفظي المُربك والمُزعج، نطالبهم بالبر والطاعة! إن هذا الابن أو تلك الابنة وهما يسمعان مختلف أنواع الدعاوى وأصنافًا شتى من الدعاوى بالموت حرقًا وغرقًا ودهسًا تحت عجلات الشاحنات وناقلات الوقود.. والقائمة تطول؛ وذلك بسبب خطأ بسيط، يُرتكب منهم، أو عبارة تصدر.. بالتأكيد سيعيشان في قلق دائم وخوف شديد وترقُّب مستمر، ينتظران فيه النتائج المرعبة من وراء هذه الدعاوى! وهنا أستحضر الحديث الذى يروى فيه أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضى الله عنه ابنه وأنـّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقى أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن)، فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زوجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
ومن هنا أتساءل: ماذا تنتظر أيها الأب من ابنك؟ وأنت أيتها الأم، ماذا تنتظرين من ابنتك؟ وأنتما تغرسان خناجر دعواتكما فيهما في الليل والنهار، وتسددان لهما كميات من القلق الدائم إثر هذه الدعاوى في أفئدة وعقولهم الغضة؟ هل ستزرع حبًّا أم ستجعل منهم أشخاصًا لا يعترفون بكم إلا اسمًا فقط تبعًا للظروف ومناسبات الاحتياج عند الكِبَر؟
إن العديد من الأبناء يعيشون بسبب والديهم – للأسف – وقد خفا بريقهم، وضاعت صورهم بين ما يتوجب عليهم فعله شرعًا من باب البر والإحسان، وردود الفعل لذويهم؛ وبهذا لا يستطيعون أن يميزوا أنفسهم من الحيرة التي وقعوا فيها؛ فتبقى صورهم أقرب إلى ذلك الشبح المخيف المرسوم بأيدي ذويهم؛ فلا تجعلوا الذنب للأبناء، بل هو في الغالب قاسمٌ مشترك بين الجميع؛ فأحسنوا إليهم ستجـدوهم أكثر إحسانًا؛ فأنتم أولاً وأخيرًا مَن يعزِّز في نفوسهم مكارم الأخلاق! وعلى سبيل المثال لا الحصر علموا أولادكم أن المشي بجانب الحائط ذل وهوان وليس أمانا، وأن من علمني حرفاً صرت له محبا، وليس عبداً، وعلموهم أن للملائكة أقلاما تكتب، ولا تعلموهم أن الجدار له أُذن، أو صوموا ولا تتكلموا إن الكلام مُحّرم، ومن هنا جميل أن نتذكر قوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة” [التحريم:6] وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه”: “كلكم راعٍ، وكلكم ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله،… ” [متفق عليه].
إن من أهم أساليب تربية الأبناء، التربية بالقدوة. يريد الأب من ابنه أن يكون صادقاً بالقول، وهو فاجر كاذب، ويريد من ابنه أن يكون مصلياً محافظاً على الصلوات الخمس في جماعة، وهو لا يعرف المسجد أبداً، فكيف يهتدي؟! كيف يكون الابن أميناً وأبوه خائن؟! والابن تقياً وأبوه فاجر؟! إن الابن في مرحلة الشباب يقلد أبويه تقليداً تاماً، فالواجب نحن الآباء أن نأمرهم بالخير ونأتيه، وننهاهم عن المنكر ونجتنبه؛ ليصلح الله لنا الظاهر والباطن، فإنه إذا أُصلِحَ أَصْلَح. وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنّا على ما كان عَوَّدَهُ أَبوه…
رأيت آباء يسبون الأمهات بأبذأ الألفاظ، ويضربوهن أمام الأبناء فيأتي الأبناء ليفعلوا مثل الآباء ناهيك عن العقد النفسية والاضطرابات السلوكية التي يسببها هذا السلوك لدى الأبناء، وتأتي أيها الأب تشكو من عقوق الأبناء! فمن هنا نقول: بروا أبناءكم قبل أن يبروكم.
تصنيفات : قضايا و مقالات