محمد حسن الدحلة
بكالوريوس الشريعة الإسلامية
إمام مسجد سيف الله في بيتونيا
في شهر رمضان المبارك وفي شهور السنة عموما يقع الكثير من المسلمين في خطأ كبير حين يقصرون العبادة على الشعائر التعبدية فحسب، ويفوّت أمثال هؤلاء على أنفسهم خيرًا كثيرًا وفضلًا عظيمًا حين يحصرون طاعة الله في الصلاة والصيام والحج والأذكار، مع عظم مكانتها ومنزلتها في دين الله بيد أن هناك الكثير من الأعمال الصالحة التي يمكن أن يدرك من خلالها المسلم منزلةً عظيمةً عند الله، وينال بفعلها الأجر العظيم والمثوبة الكبرى، ولعل من أبرز هذه الأعمال وأكثرها مثوبةً ومنزلةً ومكانةً عند الله: “إدخال السرور على قلوب المسلمين” أليس الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم قال :(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً أو تقضى عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا؟)
مع دخول الشهر الفضيل والحالة الاقتصادية السيئة غير المسبوقة على شعبنا تجد أصحاب الحال الميسور صنفين: صنف أناني يتقلب بنعم الله وفضله الكبير عليه ثم لا يستطيع أن يلتفت إلى الناس وحاجاتهم، لا يستطيع أن يشعر مع محروم أو مكروب أو أسرة تئن تحت وطأة الغلاء الفاحش أو حاجاتها الأساسية كأجرة بيت أو قسط طالب أو طالبة، تلك الحاجات التي تقصم الظهر! وصنف امتلأ قلبه رحمة ورأفة فهو لا يرى شهر الصيام مجرد ركعات وإمساك عن المفطرات وتمتة بالأدعية وهمهمة بالأذكار فهو إن رأى مهموما أو مكروبا أو صاحب حاجة فلم يستطع قضاء تلك الحاجة وفعل الخير كان دالا على الخير ساعيا فيه .
رمضان له خصوصية كبيرة وحركة المجتمع فيه استثنائية بحيث يكثر فيه الخير، تكثر فيه الصدقات. وحتى لا نبخس الناس أشياءهم ونذكر الخير لأهل الخير ونرد الفضل لأهل الفضل فإنه يُلاحظ في بعض المدن والقرى والمخيمات والأحياء في بلادنا أنه لا يبقى بيت فقير إلا ويطرقه طارق خير بصدقات عينية أو نقدية وهذا من خصوصية رمضان وبركاته الربانية على خلقه ثم من كرم وجود أهل الله المقتدرين الذين يعرفون حق هذا الفقير الذي افترضه الله في أموالهم .
أما هذا العام فقد عاد رمضان علينا في ظروف اجتماعية واقتصادية معقدة جدا غلاء فاحش فلكي محليا وعالميا، بطالة، تعثر لرواتب الموظفين، هنا ميادين الخير تنادي كل أهل الخير فإني أرى أن تفقد أحوال المسلمين وتنفيس كرباتهم وقضاء حاجاتهم من أكبر القربات إلى الله وأجلها وأحسنها، مردودها خير وبركة على الجميع )إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم( [الحديد:18] أيّ طريقة من طرق إدخال السرور على المؤمن لها عند الله عز وجل شأن كبير. وكل شيء عند الله محفوظ لا يُنسى: مواقفك، عطاءاتك، ابتساماتك، زياراتك، تهنئاتك، تعزياتك، خِدْماتك، تعاونك… ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] أتظن أن الله لن ينصرك ويحفظ أبناءك عندما تخلف غازيا شهيداً أو أسيراً في أهله بتفقد حاجاتهم وزيارتهم والمسح على رؤوس أبنائهم فترسل الدفء الاجتماعي والمادي في أسرة أوذيت من أجل الله؟ أتظن أن يضيع هذا عند الله يوم القيامة؟
أتظن أن الله سيحزنك وسيجعل حياتك حزنًا، وقد أدخلت السرور يومًا على عبد من عباده؟
أتظن أن الله سيتخلى عنك ويسلمك للحزن عند حلول سكرة الموت ونزول الأجل، وقد أدخلت يومًا سرورًا على أسرة وأفرحت صغيرهم والكبير؟
أتظن أن الله سيدعك للحزن ويملأ بيتك الجديد في لحدك وقبرك حزنًا، وقد ملأت بيوت المسلمين فرحًا وغبطةً وسرورًا وسعادة؟
أتظن أن الله سيتخلى عنك في يوم التغابن، ويوم الحزن الأكبر، وعند العرض عليه، وقد كنت في الدنيا نعم العبد الصالح الذي أفرح الحزين، وأسعد المكروب، وواسى المتألم، وساند الضعيف، وآوى المشرد؟
أم أنك تظن أن الله سيغفل عن دعوات رفعت لك من محتاج أعنته، ومن مسكين أعطيته، ومن محزون أسعدته، دعا فيها لك، وقال من أعماق قلبه ورفعها لخالقه: (اللهم يا ربي كما أسعدني وأسعد أهلي وأولادي، وملأ بيتي فرحًا وسرورًا، فأسعد قلبه، وأنِرْ طريقه، وبارك ماله، وأصلح ذريته، ولا تذقه ألمًا ولا حزنًا، ولا همًّا ولا غمًّا، واجعله من أوليائك الصالحين، واجعل جنتك داره، والفوز برضاك جائزته، يا أكرم الأكرمين).
تصنيفات : قضايا و مقالات