مما لا يشك فيه عند التعامل مع أي جهاز أو آلة مصنعة أن صانع هذا الجهاز هو أعلم الناس فيه، بل وعادة ما نجد دليلا على كيفية عمله واستخدامه، ولله المثل الأعلى، فالإنسان خلق الله، يعلم ما يسعده ويوصله لكل خير سواء في دنياه أو في آخرته ويخطئ من يظن للحظة أو يتخيل لبرهة أن القوانين الوضعية المستوردة أكثر تلاؤما وروح العصر لأنها تتغير وتتبدل بتغير الزمان والمكان والحال.. ومن يقول ذلك يقوله لأنه يجهل طبيعة القوانين الربانية التي تتصف بالكمال والسمو والديمومة وتتصف بالثبات مع المرونة وبالخلود مع التطور.
نعم هي ثابتة في الأهداف والكليات لكنها مرنة في الأساليب والوسائل، ثابتة في الأصول والكليات مرنة في الفروع والجزئيات ثابتة في القيم والأخلاق مرنة في الشؤون الدنيوية والعلمية وهكذا. إن القوانين المستوردة صنعها وصاغها وكتبها الإنسان العاجز المتصف بالنقص وغالبا ما تكون ملبية لطموحاته وأطماعه تتقلب من يوم ليوم حسب أجواء واضعيها، والأخطر في الموضوع أن تجد من يتغنى بها بيننا نحن المسلمين ويراها بعين الإعجاب والترويج لها، ويقبلها بديلا عن حكم ربنا “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون” [المائدة: 50] فهذه قوانين لا تراعي واقعنا ولا قيمنا ولا عاداتنا بل ولا تراعي الذوق السليم، قوانين تعارض فطرتنا السليمة التي فطر الله الناس عليها، تعارض القناعة الداخلية لمروجيها وإن أظهروا عكس ذلك، جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.
كم دمّرت هذه القوانين المستوردة وكم حطمت وكم خربت، كم أتلفت عقولا وكم حطمت قيما وأخرت أمما، لأنها لا تناسب الجميع ولا تتناسب مع الأمكنة ولا الأحوال، هذه القوانين شتت شمل الأمة وفرقت جمعهم وكلمتهم، وساعدت على نشر الرذائل وانتشار الجرائم وقطيعة الأرحام، هذه القوانين وضعها أناس يعيشون ظروفا غير ظروفنا، وأحوالا غير أحوالنا، ومعتتقدات غير معتقداتنا فكيف ستقودنا للخير وهي خالية منه، صحيح قد يكون لبعض هذه القوانين بعض الخير ولكن الخير الأكبر والأعظم والأجمل والأشمل يكون في قوانين الله الخالق، فلا يجوز ولا يعقل أن نهتدي بضوء شمعة في حضور الشمس، ولا أن نبحر في جدول ماء وعندنا بحر عريض عميق، فالحق أحق أن يُتبع، قال تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة: 3) وما عاشت الأمة ولا البشرية في تاريخها الطويل أهنأ وأهدأ وأسعد مما عاشته أيام تحكيم شرع الله بين عباده والتاريخ خير شاهد على ذلك.
تصنيفات : قضايا و مقالات