الحمد لله الذي رفع العلماء وأعلى درجاتهم فقال سبحانه: ” يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” [المجادلة:11]، وفضَّل المتعلمين على الجاهلين فقال: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنَّما يتذكَّر أولوا الألباب”[الزمر:9]، والصلاة والسلام على معلَّم الناس الخير وهاديهم إلى النور، أثنى على المعلمين فقال: ” فضلُ العالمِ على العابِدِ ، كفَضْلِي علَى أدناكم ، إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ ، حتى النملةَ في جُحْرِها ، وحتى الحوتَ ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ”[حديث صحيح رواه الترمذي]
وذمَّ الدنيا من غير علم فقال: ” «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ»”[رواه الترمذي وقال حسن غريب] والمعنى أنّ الدنيا مذمومة لا يُحمد فيها إلا ذكر الله وعالم ومتعلم.
ورحم الله الإمام أحمد عندما قال: ” لولا العلم كان الناس كالبهائم” وقال:” الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثا، والعلم يحتاج إليه كل وقت.”[1]
أضع بين يدي القارئ الكريم هذه المقالة بعنوان المعلم صانع حضارة فلا تُهينوه، أسلَّط فيها الضوء على المعلم الفلسطيني وأخص بالذِّكر المعلم في المدارس الحكومية والخاصة.
المعلم الذي يؤدي أعظم رسالة، وأسمى مهنة، يصنع فيها الرجال، ويبني فيها العقول، ويُبَصِّر بها الدروب، فكم من كلمة من معلم كان بها علوّ للهمة، وتغيير للمسار، وإصلاح للحال. كم من توجيه وجهه لطلابه بلغ في نفوسهم مبلغًا وأثرًا كبيرًا، حقًا إنَّ المعلم قصة عطاء وحكاية وجود.
المعلم الذي يحتوي في صفه أربعين طالبا، يعني أنَّه يتعامل مع أربعين عقلًا، أربعين تكوينًا نفسيًا، أربعين ثقافة، أربعين مشكلة، أربعين قلبا ينبض حبا وكرها قبولا ورفضا، المعلم ليس معلمًا فحسب، بل هو معلم وقاض ومحام ومؤدب ومرب، ناهيك عن نصاب الحصص الذي يحمله المعلم فقد يصل في اليوم إلى ست حصص، الحصة الواحدة أربعون دقيقة يفصل بين كل حصة وأخرى خمس دقائق، عدا عن يوم المناوبة وما أدراك ما يوم المناوبة، عدا عن الأعمال الكتابية والنشاطات غير الصفية وغير ذلك مما يُكلَّف به المعلِّم الذي يصعب حصرها في هذا المقال.
وبالرغم من كلِّ هذه المهمات الصعبة والشاقَّة –ولا يعلم مشقتها إلا من جربها- تجد من يتنكر لهذا المعلم، وتراهم ينظرون إليه أنه يغادر المدرسة مبكِّرا، ولو اطلعت على أحد هؤلاء لوجدته لا يستطيع حكم أولاده في بيته الصغير.
وسواء كان هذا الانتقاص للمعلم على مستوى بعض الأفراد أو على مستوى الحكومة، وللأسف تجد انتقاص الحكومة أشد على المعلم من غيرها، لأنها الجهة الواعية التي من شأنها أن تضم في جنباتها المتعلمين الذين يقدرون العلم وأهله.
لذلك أقول إنّ المعلم الذي يقوم بواجبه، حقا على الحكومة أن تعطيه حقه وأن تكافئه بأعلى الدرجات والرواتب، فإذا نظرنا إلى رقي الحضارات والأمم، وجدنا أنَّ أهم عوامل رقيها ونهضتها تقديرها للعلم والعلماء ورفع مستواهم المادي والمعنوي، لينتج من ذلك جيل متعلم قوي يرفع ويعلي قدر أمته ويقدر العلم والعلماء، وسبب تخلُّف الأمم والحضارات هو الجهل وهدم قيمة العلم والعلماء وإسقاط القدوات في المجتمع.
العلم يبني بيوتًا لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرم
لذلك أقولها وبكل حرقة ومرارة على مستقبل المعلم لا يصلح حال المجتمع حتى يصلح حال المعلم، ولا يصلح حال المعلم حتى يكون الأكثر راتبًا بين أقرانه في الوظيفة العمومية، وحتى تسود ثقافة أنّ مهنة المعلم أحسن المهن ماديًا ومعنوياً.
ألف شكر لك يا صانع الأبطال وألف تقدير لك يا مربي الأجيال وكل عام وأنتم بخير…
[1] ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/182).
تصنيفات : قضايا و مقالات