لو يعرفنا فضيلة الشيخ عن حياته العلمية والعملية والتعليمية والدعوية.
وُلدت بتاريخ 2/آب/1958م في مدينة الخليل، ووالدي رحمه الله تعالى كان نجارا متقنا للمهنة، مشهورا بين الناس في الإتقان والأمانة معا؛ أما الوالدة رحمها الله تعالى، فهي سيدة بيت متدينة، كانت تستغل كثيرا من لقاءاتها بالنساء بوعظهن، وكانت كوالدي، حريصة على صلة الأرحام، وحب الخير. درست في مدارس مدينة الخليل حتى تخرجت في ثانوية الخليل الشرعية، ومكثت سنتين أعمل نجارا في منجرة والدي رحمه الله، ثم ذهبت إلى المدينة المنورة لدراسة علم الحديث الشريف في جامعتها الإسلامية، وتخرجت فيها سنة 1984م. رجعتُ إلى الخليل، ولما لم أقبل في وظيفة ما، عملت في منجرة والدي رحمه الله تعالى لمدة سنتين، وفي أثنائهما عملت إماما في مسجد الأنصار في المدينة لصلاتي الظهر والعصر، ومكثت على هذا فترة قصيرة. ثم عملت في محل لبيع الدهان، ثم في مصنع أحذية، ثم جاءني القبول في الجمعية الخيرية الإسلامية في 17/2/1987م، فعملت فيها إلى أن انتهى عقدي معها في 2/11/2018م.
أحمل فكرة الإخوان المسلمين منذ منتصف السبعينيات، لا أذكر أي سنة بالضبط، لكن، إن لم تكن سنة 1975م، فهي سنة 1976م. كنت أوصف بأنني كثير القراءة، هكذا توهم من توهم في حقي؛ وربما يصدق هذا فيّ؛ فقد كنت أقرأ مستثمرا أية ساعة فراغ، وكان لجدي والد والدي رحمهما الله مكتبة قديمة، فكنت أتصفح بعض كتبها دون أن أستوعب أكثر ما أقرأ، لكنني كنت مصرا على القراءة. كانت لدي مكتبة صغيرة كنت أراها كبيرة، وكنت أقضي كثيرا من ساعاتي فيها، وكانت كتبها تزيد مع الأيام؛ وهي ذاتها كانت نواة مكتبتي الكبيرة حاليا. لا أرى معنى للحياة دون أن أكون فيها قارئا؛ وكنت أقول أحيانا لبعض أصدقائي: اقرأ، ثم اقرأ، ثم اقرأ، فإذا قرأت فاقرأ. ومع ذلك، فأنا بطيء القراءة إلى درجة مملّة؛ ربما يقرأ غيري كتابا ما في أسبوع، فأحتاج لقراءته إلى شهر أو أكثر. قراءتي تأملية، تفكرية، استنتاجية، أناقش الكاتب وأخطّئه حينما أراه أخطأ، وأعجب بمواطن الإبداع في كلامه. دخلت عالم التأليف مع بداية القرن الحادي والعشرين، ابتدأت القصة بأن كتبت مقالا لإحدى الجرائد، فأرسلوا إلي أن أختصره، فاختصرته، ثم أرسلوا إلى بطلب مزيد من الاختصار، وربما حصل هذا في تلك المرة مرتين أو ثلاثة؛ فلما رأيت الأمر كذلك، عزفتُ عن إرسال شيء إلى الصحف والمجلات، بعد أن نشروا لي قليلا مما كتبت، ورأيت مقالي ذاك صالحا للتوسع، فتوسعت في مواضيعه توسعا كبيرا، حتى تفرعت منه عدة كتب، منها كتاباي: مكانة بيت المقدس بين نصوص الوحي وحركة الإنسان في 480 صفحة، وكتاب انتماء فلسطين بين دعاوى التوراتيين وحقائق الماضي والحاضر، في 520صفحة؛ ونشر الكتابان في عام 2006م. وكتبت بعد برهة من الزمن كتابي عالم الأنفس، قيل إنه مهم وعميق. ثم كتبت كتابين عن حزب التحرير أنقد فيهما بعض آرائه، مع الاحترام للحزب وعدم اتباع طريقة الاتهام أو السباب. وحصلت على الماجستير في جامعة الخليل عام 2009م، وقدمت رسالتي نظرية الشرط الجزائي بين الفقه والقانون، وطبعت في دار الفتح في عمان. ثم راسلت إحدى ما يسمى بالجامعات الأوروبية للدكتوراه، وقدّمت كتابي مدينة خليل الرحمن عبر العصور، وهو أوسع كتاب يتحدث عن هذه المدينة العريقة، وطبعت دار الفتح بعمان رسالتي هذه، مع الإشارة إلى أن تلك الجامعة غير معترف بشهاداتها في بلادنا.
كتابكم الأخير حول تاريخ الخليل لاقى قبولا وتفاعلا طيبا .. ما حكاية هذا الكتاب؟ وما المشاريع الأخرى على صعيد التأليف عند فضيلتكم؟
أتعبني كتاب مدينة خليل الرحمن بشكل كبير، فلقد ذهبت إلى تأليفه دون أن أرى مراجع كافية لجمع مادته، ومع ذلك، فلله الحمد، كتبته حتى بلغ 682 صفحة. تاريخ مدينة الخليل مغمور لم يُخدم كما ينبغي، والخليل تستحق أكثر بكثير من بضعة كتب أو رسائل. وقصة الكتاب ناتجة عن تكليفي من سماحة الشيخ حاتم البكري رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية بالكتابة عن الخليل، وحصلت على إجازة بحثية مدتها سنة كاملة، أنجزت فيها معظم الكتاب، وصادف أن سُجنت عشرين شهرا، ثم رجعت إلى الكتاب، فأتممته. أعتقد أنني أنجزت أو قاربت، سلسلة كتب عددها أربعة، تدور حول القرآن الكريم ومواقف الحداثيين منه نصا وفهما؛ فإذا أتممت هذه الأربعة، وهي شبه تامة، فتوجهي هو العودة إلى إتمام شرح صحيح البخاري، الذي كتبت فيه نحو ألف ومائتي صفحة بلغة العصر.
أشرف الدكتور مدة طويلة على واحدة من أهم معالم الخليل الثقافية وهي المكتبة الإبراهيمية .. ما أهم معالم هذه التجربة؟ وما هي سبل الارتقاء بالحالة الثقافية في مجتمعنا الفلسطيني؟
توظفت في مكتبة الأنوار الإبراهيمية في الخليل بدءا من سنة 2004م، وحتى سنة 2010م؛ والحقيقة أن ترهلا واضحا قد تمكن في الحالة الثقافية في الخليل، بل في الضفة الغربية؛ أستطيع أن أصف المثقفين بأنهم يشكلون نخبة لم تقدر أن تنزل إلى الشارع، لتنشر ثقافتها؛ وربما يعود هذا إلى عدم اهتمام النظام السياسي في بلادنا بالحالة الثقافية بما يكفي. أعتقد أن من يريد توسيع ثقافته، فمصادر الثقافة كثيرة جدا، وقد يسر الله لنا في هذا العصر كثيرا من المطبوعات، ويسر لنا الإنترنت وما فيه من مواد ثقافية وكتب ومقالات ودراسات؛ أعتقد أن الاستفادة من ذلك كله ممكن جدا، لكن النفوس لا تلجأ غالبا إلى الاستفادة. لست ناشطا في الكتابة للمجلات والصحف، بل أرى في نفسي نفورا منها؛ ولذا، لم أكتب شيئا للصحف بعد مقالي المشار إليه.
كيف يقرأ فضيلة الشيخ جواد بحر الحالة الدعوية اليوم؟ ما هي التحديات وما هي الحلول لها؟
أعتقد أن الحالة الدعوية اليوم اتخذت وسائل جديدة لم تكن تتعامل معها سابقا، لعدم وجود تلك الوسائل أصلا؛ اتجه فريق من الدعاة إلى المواقع الإلكترونية النظيفة والمفيدة، لأنهم رأوها مليئة بما يكفي من الفكر والثقافة، تلك التي كنا نتعلمها في المساجد، وعبر قراءة الكتب. واتجه فريق آخر من الدعاة إلى الفيس، ليبث فيه ما يراه خيرا لأمته ودينه، وكثر هذا حتى غلب؛ والحق أنها استفادة حسنة من هذا المنبر: الفيس، لكنها غير وافية، أو غير وحيدة؛ كان هذا بدل المساجد والزيارات والإهداءات التي كانت سببا في تقريب الدعاة من عموم الناس، وربما يعود هذا إلى الوضع الأمني، أو ربما ضخمنا الوضع الأمني، فأعطيناه ما لم يطلب. التحدي الذي نواجهه هو العودة إلى الناس، فبها كنا دعاة؛ والحل هو تمكين النفس أو ترويضها للعودة إلى الناس؛ وأقصد بالعودة إلى الناس: المساجد، فالناس فيها ينتظرون. وأمر آخر هو أننا كنا قراء فيما مضى، أما الآن، فنحن قراء أيضا، لكن مادة قراءتنا في الغالب هي المواقع الإلكترونية.
الحرم الإبراهيمي الشريف هدف للمخططات الصهيونية .. كيف تتم مواجهة هذا الخطر؟
ليس الصواب أن يقال إن مشكلة الحرم هي في اقتسامه مع اليهود، أعتقد أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير؛ لأنها تتكثف في سعي اليهود للسيطرة الكاملة عليه؛ وأظن أن المسألة تحمل تحديا كبيرا هو من شأن الحكومات والدول أصلا؛ لكنها تخلت عن الحرم، كما تسعى إلى التخلي عن الأقصى. أعتقد أن أمامنا حلين اثنين: الأول: كثرة الحضور في المسجد الإبراهيمي؛ الثاني: توعية الناس عبر الكتيبات والمواقع الإلكترونية حوله وحول التحديات التي تواجهه؛ فالوعي هو الأساس في هذه المرحلة.
تزداد أعداد خريجي الشريعة يوميا، وصار أكثرهم من حملة الدراسات العليا .. كيف يمكن لحملة العلم الشرعي أن يوازنوا بين المتطلبات الأكاديمية والواجبات الدعوية والتأثير في المجتمع؟
هذا السؤال يحتاج الجواب عنه إلى مقدمة؛ وهي: هل خريجو الشريعة يهمّهم أمر الشريعة وإيصالها إلى الناس، ومزج عواطف الناس بها؟ أعتقد أن كثيرا منهم لا يعيشون هذه الحالة، بل غاية الهم هي الحصول على درجة علمية أو وظيفة تدريسية ذات مستوى أعلى من مستوى المدارس. لكن، مع ذلك، فهم حملة هذه الأمانة، وإليهم يعود الفعل الدعوي؛ فعليهم أن يعرفوا أن أمانة العلم تقتضي تبليغه، وأن تبليغه مسؤولية أمام الله.
ما دور العلماء والدعاة في وقف نزيف شعبنا بسبب المشكلات بين العائلات؟
أعتقد أن حامل الشهادة الجامعية داعية بالطبع وليس بالكسب؛ فإذا غاب عن رسالته، ففقد ألحق بالدعوة خسارة كبيرة؛ إن مفاهيم الإسلام شبه غائبة أحيانا، بسبب هيمنة الفضائيات التي لا تتقي الله؛ وإن غياب حامل الشهادة العليا في الشريعة، يُسهم ولو بلا قصد في تغييب مفاهيم الإسلام عندما يتخلى عن واجبه الدعوي. مشكلات العائلات تستنزف إمكانياتها في رقي نفسها، فتتحول تلك الإمكانيات إلى البحث في تلك المشاكل؛ أعتقد أن غياب الدين عامل أساس في نشر الفساد بين العوائل، وفي سفك بعضها دم بعض؛ ولو أدرك سافك الدم أنه سيلحق بأهله وبنيه كمية هائلة من المصائب، لما أقدم على فعلته.
تواجه فلسطين اليوم خطرا كبيرا بما يعرف بقانون حماية الأسرة الجديد.. ما هي الأسس التي يستهدفها؟ وكيف نحميها؟
موضوع حماية الأسرة ليس أكثر من تزيين الانحراف للأسرة؛ والأسرة محمية عندنا بأصول دينها، وليس بمناهج مستوردة من شرق وغير؛ وأي مشروع يأتي من غير بيئتنا العربية والإسلامية فهو مشبوه إلا أن يثبت خلاف ذلك؛ أسرتنا بنتها النصوص، وهؤلاء يريدون هدمها بتمييع انتماء أبنائها، وبتوجيههم إلى تقليد الأسر الأوروبية.
إن على العلماء والمثقفين الذي ينطلقون من أصول حضارتنا العربية الفلسطينية، أن يقوموا بدورهم في بيان الخلل الكبير الذي يأتي عبر تسرب الأفكار الغربية إلى أسرنا؛ ولا ننسى أننا نفتح بأنفسنا هذا التسرب من خلال ملاحقة الفن الغربي الذي يتحدث أصحابه بلغتنا أو باللغة التركية، لكنهم يدسون فيما يقدمون أفكار الغرب وضلالاته.
تصنيفات : قضايا و مقالات