لا تتركوا المسجد بعد رمضان، أ. أمجد عبد المجيد الأشقر
مايو 3, 2023
للمشاركة :

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18]. المساجد بعد رمضان تشكو قلة الزوار، تبكي على فراق شهر الخير، ولسان حالها يقول: أين أنتم يا رواد المساجد؟ هل مللتم من الطاعة؟ ما الذي أحزنكم وجعلكم تتركون أماكنكم في المسجد؟

لقد كان السلف الصالح رحمهم الله حينما ينتهي رمضان يصيبهم الهم: هل تُقُبِّل منهم أم لا؟ فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، فهم كما وصفهم الله بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون 60: 61] يخافون أن تُردَّ عليهم حسناتهم أشد مما يخاف المذنبون أن يعذبوا بذنوبهم، لأن الله تعالى يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 127].

ويا من عرفت في رمضان أن الله قد أوجب عليك الصلوات الخمس في المساجد كيف جهلت ذلك أو تجاهلته بعد رمضان!! ويا من عرفت في رمضان أن الله حرَّم عليك المعاصي كيف نسيت ذلك بعد رمضان!! ويا من عرفت في رمضان أن أمامك جنة وناراً وثواباً وعقاباً كيف غفلت عن ذلك بعد رمضان!! ويا من كنتم تملؤون المساجد في رمضان وتتلون القرآن كيف خلَت منكم المساجد وهجرتم القرآن بعد رمضان!! عجباً لقوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ولا يخافون الله إلا في رمضان، وقد سئل بعض السلف عن حال مثل هؤلاء فقال : “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان”.

 ولو رجعنا إلى الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة، لوجدنا أن من أهم الأسباب تحول رمضان -في نظر كثير من المسلمين- من إطار العبادة إلى إطار العادة، فكثير من الناس لا ينظر إلى رمضان إلا على أنه شهر تُمَارَس فيه عادات معينة، ينبغي ألا يخالف الناس في أدائها، فتجد البعض مثلاً يصوم رمضان في حين أنه لا يصلي، وربما صلى التراويح من غير أن يقوم بالفريضة… وهكذا، ما يؤكد أن هؤلاء لم يتعبدوا في رمضان إلا بمنطق العادة لا العبادة، وبالتالي لم يُحْدِث هذا الشهر التغيير المطلوب في حياتهم؛ ولذا فما أن يخرج الشهر حتى يعود كل واحد إلى ما كان عليه. ولعلاج هذه الظاهرة ينبغي تعريف المسلم بعبوديته لربه، وأن هذه العبودية عبودية دائمة غير مقيدة بزمان ولا بمكان، وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، قال الحسن البصري رحمه الله: “إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ قوله عز وجل: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [الحجر:99]”.

 وقد يكون من أسباب هجران المساجد بعد رمضان هو عدم بذل الجهد المناسب من الدعاة والعلماء والأئمة في التوعية والإرشاد والوعظ وتحريك المشاعر الإيمانية في قلوب المؤمنين في المساجد، فدور المسجد لا يقتصر على الصلاة وإنما هو مدرسة وجامعة تزرع الخير في القلوب. وقد تكون بعض تصرفات المصلين في التعامل مع ضيوف الرحمن هي من أسباب هجران المساجد، ولو تعامل المصلون باللين والرفق لما ترك رواد المساجد أماكنهم في المسجد، في رسول الله الأسوة الحسنة في هذا الأمر، فقد وردَ في الحديثِ الصحيح” أن أعرابياً بال في ﺍﻟﻤﺴجد فركض إليه الصحابة ليزجروه ويقعوا ﻓﻴﻪ فنهاهم النبي – ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠم- عن ذلك وقال لهم: اتركوه ليتم بولته، ﻭأريقوا ﻋﻠﻰ ﺑﻮﻟﻪ دلواً ﻣﻦ ﻣﺎء، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺑﻌﺜﺘم ﻣﻴﺴﺮﻳﻦ ﻭﻟم ﺗﺒﻌﺜوﺍ ﻣﻌﺴﺮﻳﻦ” ‏ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.

إن هذا الحديث وكأني بأكثرِ دعاةِ اليوم ما مروا به ولا سمِعوه فتراها تقومُ عليكَ الدّنيا ولا تقعد إن حصلَ مرةً وأخطأتَ أمامهم دونَ قصدٍ أو نسيت. وكأنك الوحيد الذي يخطئ في عالمٍ من المعصومين، فالوعظ والنصح لهما أصول أهمها اللطف والرقة والسرية وتجنب اللوم أمام الجماعة ما أمكن وقد قال الشافعي رضي الله عنه في ذلك: من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن نصحه علانيةً فقد فضحه وشانه” .

 وأختم بحديث يدفع المسلم دفعاً للمسجد، إذ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : (ما تَوَطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجِدَ للصلاةِ والذكْرِ، إلَّا تَبَشْبَشَ اللهُ لَهُ منْ حينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ ، كَمَا يتَبَشْبَشُ أهلُ الغائِبِ بغائِبِهِمْ ، إذا قدِمَ علَيْهم) حديث صحيح.

تصنيفات :