يعد المسجد الأقصى واحدًا من المراكز العلمية التاريخية التي كانت تُدرَّس فيها العلوم الإسلامية على اختلافها، فقد كان عامرًا بمجالس العلم ومحاطًا بعشرات المدارس التي تدرس الفقه والأصول والكلام والحديث والتفسير وعلوم اللغة، وفيه مكتبة ضمت مئات الكتب والمؤلفات. حرص الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بعد الفتح العمري لبيت المقدس على زيارة المسجد الأقصى وعمارته امتثالاً للتوجيهات النبوية الشريفة، وتابعهم على ذلك العلماء من التابعين ومن بعدهم، فكان المسجد الأقصى ملتقى للعلماء من شتى البلدان الإسلامية.
كان المسجدُ الأقصى في القرون الأربعة الأولى الهجرية المعهدَ العلميَّ الكبير والوحيد في القدس، ولم ينقطع التدريس فيه إلا في حقبة الاحتلال الصليبي، ثم نشطت بعد الفتح الصلاحيّ الحركة العلمية، وبنيت العديد من المدارس خصوصًا في العهد المملوكي، وارتفع عدد المدرّسین والطلبة فيها، وأُجريت على هذه المدارس الأوقاف والعطايا من السلاطين والحكام، وتحوّلت باحات الأقصى وأروقته ومصاطبه إلى جامعة حافلة.
وفي العهد العثماني ضعفت نسبيًا الحركة العلمية في المسجد الأقصى، وأخذ الدارسون يتجهون إلى الجامع الأزهر. وازدادت ضعفًا بعد الاحتلال البريطاني والصهيوني. [انظر: كامل العسلي، المسجد الأقصى معهد علمي كبير، في: معاهد العلم في بيت المقدس]
كان لعناية السلاطين والولاة والتجار وغيرهم من أصحاب الأموال بإنشاء الأوقاف والمكتبات والمدارس أثر كبير في ازدهار الحركة العلمية في المسجد الأقصى، فمن المدارس الموجودة في المسجد الأقصى والمحيطة به: المدرسة الأشرفية والأفضلية والنحوية والنصرية والفارسية، ومن الزوايا والخوانق التي كانت مأوى للطلبة المنقطعين للعلم والعبادة: الزاوية الأدهمية والرفاعية، والخانقاه الصلاحية والمولوية. [انظر: محمد عيد الخربوطلي، مدارس القدس ومكتباتها، وزارة الثقافة السورية]، كما كان بعض الولاة يحضر المجالس والمناظرات العلمية التي تعقد في المسجد الأقصى.
تنوعت العلوم التي كانت تدرس في المسجد الأقصى بسبب تعدد مشارب العلماء الذين درسوا فيه، فغدا جامعة علمية تخرج فيها أساطين العلماء، فمن تلك العلوم: القراءات، والتفسير، والحديث (ومن أشهر من درّس التفسير والحديث في الأقصى الإمام الحافظ العلائي)، والكلام، والفقه (وكان يدرس على المذاهب الأربعة عند أهل السنة: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)، والأصول، والتصوف (وقد كانوا يقرؤون كتاب “الإحياء” للإمام الغزالي في المسجد الأقصى ويتعاهدونه)، والمنطق، وعلوم اللغة كالنحو، والصرف، والبلاغة، والعروض. [انظر: عبد الجليل عبد المهدي، الحركة الفكرية في ظل المسجد الأقصى، وزارة الثقافة الأردنية]
تصنيفات : قضايا و مقالات