الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، النّور الحقِّ المبينِ، والصَّلاةُ والسلامُ على نورِ الهدى ونبيِّ الرّحمةِ محمد r، ورضيَ اللهُ عَنِ الصّحابةِ أجمعينَ، وعلى مَنْ سارَ على دربِهم إِلى يوم الدّينِ، وبعد.
فقد جعل الشارع الحكيم الزكاة من أركانه التي يقوم عليها، ومن أجلّ العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه، فهي عظيمة الشأن بأهدافها الإنسانية والروحية، لأنها تطهر النفس من البخل والشح وتربي فيها حب البذل والعطاء، كما وتشعرها بالسعادة والاطمئنان، هذه العبادة التي حدد الشارع الحكيم نصابها ومقدارها وأنواعها، وكان نصيب المجتهدين للدراسة والنظر فيها مسائل محدودة، مثل مسائل زكاة العروض التجارية وبالتحديد مسألة زكاة الأراضي التي أصبح يسودها كثير من التشابه والتعقيد في واقعنا المعاصر، وبالذات مع الارتفاع المذهل لأسعارها، فأصبحت من القضايا الاقتصادية البارزة والمؤثرة على الفرد أو المجتمع، ولعلي أختصر الحديث دون توسع في طرح الآراء ودون سردٍ للأدلة مما يتناسب وطبيعة هذا المقال المختصر الذي يهدف إلى تسليط الضوء على هذه المسألة وتحريض الغيورين على دينهم إلى تسديد حق الله تبارك وتعالى وحق الفقراء والمساكين فيما يملكون من أموال.
ويمكن القول إن الأراضي بشكل عام تعد من العقارات التي يرجع الفصل في وجوب الزكاة فيها إلى نية تملكها، ومن ثم يمكن القول إن الأراضي على خمسة أنواع:-
النوع الأول: أرضٌ نية تملكها الاستخدام الشخصي المباشر أو بعد حين، سواء بالإعمار والبناء والسكنى، أو من أجل التنزه فيها، أو أي استخدام شخصي آخر، وهذا النوع من الأراضي قد نص عامة الفقهاء على عدم وجوب الزكاة فيها وأطلقوا عليها اسم (أموال القنية) أي الاقتناء، ويلحق بهذا النوع الأرض التي تكون نية تملكها الادخار إذا لم يكن هناك نية للبيع لعدم وجود نية التجارة فيها.
النوع الثاني: أرضٌ نية تملكها استثمارها واستغلالها، سواء بزراعتها أو إجارتها أو إقامة مصنع أو مستودع أو موقف أو أي مشروع استثماري عليها مثل الملاعب والمنتزهات وغيرها، فهذه لا زكاة على أصلها، وإنما بالخارج منها فقط، سواء كان زرعاً عند حصاده، أو بدل إيجار أو أموال استثمار حال عليها الحول.
النوع الثالث: أرضٌ نية تملكها هو البناء عليها ثم بيعها، وهذا النوع يختلف عن سابقه، لأن تملكها هنا كان بنية البيع بعد البناء، أي إنها ستخرجُ من ملكه عند بيع ما تم بناؤه عليها، أما في المسألة السابقة فالاستثمار لم يخرجها عن ملكه، وهذه الأرض تجب في قيمتها وقيمة ما بُني عليها الزكاة كل حول لانطباق شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة عليها إلى أن يبيعها، وهذا على رأي كثير من الفقهاء المعاصرين.
النوع الرابع: أرضٌ نوى الاتجار بها ببيعها، وهذه تجب الزكاة فيها بعد مضي الحول عليها، بغض النظر عن سبب تملكها إن كان شراء أو هبة أو ميراث…، وتقدر قيمتها كل عام حسب سعر السوق.
النوع الخامس: الأرض التي تتغير فيها نية التملك، فإن نوى الاتجار بها ثم غير نيته إلى الانتفاع انقطع حكم الزكاة من لحظة تغير نيته عند عامة الفقهاء باستثناء أشهب من المالكية في رواية عن الإمام مالك، وفي حالة العكس من نية الانتفاع الى نية التجارة فالجمهور على أنه لا تجب فيها الزكاة، وذهب مجموعة من الفقهاء إلى أنها تصير للتجارة بمجرد النية.
وذكر هذه الأنواع باختصار هنا لا يلغي وجود تفريعات كثيرة تتعلق بكيفية تملك الأرض بالأصل، ونية الاتجار بها من عدمه، ووقت النية، وغيرها من تفصيلات وخلافات لآراء الفقهاء، ينبغي الوقوف عندها وتدقيق النظر فيها.
ويتضح مما سبق أن زكاة الأراضي من عدمه يعود إلى النية، وهنا يبرز دور المفتي والعالم الذي يُسأل عنها بالتحقق تماماً من ذلك والتعرف على خلاف الفقهاء وما هو الراجح فيها قبل الإجابة، حتى لا يضيع حق الفقراء والمساكين ولا يضيع حق العبد في ماله، والله أعلم.
تصنيفات : قضايا و مقالات