لقد حرص الإسلام حرصاً شديداً وعنيّ عناية فائقة ببناء مجتمع طاهر عفيف نظيف وحَشَدَ من أجل ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنّة المطهرة، التي حملت شرائع وشعائر ومشاعر ترقى بالمجتمع الى أعلى درجات الطهر والعِفة والعِزة والسعادة .والمجتمع مؤلف من مجموعات الأُسر إذ الأسرة لبِنة المجتمع وبصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد المجتمع . وبما أن الأسرة الفلسطينية مؤسسة على قيم الإسلام وتعاليمه من أقوى الحصون الحصينة في مجتمعنا فقد تعرضت لأعتى الحملات وأشدها من الأعداء والأدعياء بقصد تفكيكها وإضعافها انتهاءً بهدمها وتقويضها.
ومع أن الأحكام المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق بقيت في بلاد المسلمين وفق الشريعة الإسلامية كونها من الأحوال الشخصية الخاصة في نظر الأنظمة العلمانية الموكلة من الغرب بقيادة المجتمعات الإسلامية وإدارتها إلا أن هذه الأحكام الشرعية التي تقوم عليها محاكم شرعية تتعرض اليوم لهجوم كاسح ومكائد شديدة وخصوصاً بعد اتفاقية أوسلو.
لقد قامت السلطة الفلسطينية بالتوقيع على عدة اتفاقيات عالمية بخصوص الأسرة والمرأة وهي تسعى جاهدة لإقرارها وتطبيقها ضاربة بعرض الحائط دين المجتمع وقيمه وتاريخه ولعل التوقيع على اتفاقية سيداو من غير تحفظات على أي بند فيها هو أدل دليلٍ على ما نقول. ومن الجدير بالذكر أن أمريكا وإسرائيل والفاتيكان لم توقع على هذه الاتفاقية باعتبارها مخالفة لبعض تعليمات اليهودية والنصرانية ولِما تشتمل عليه هذه الاتفاقية من إشاعة للعهر والمجون ينتهي في آخر الأمر بتدمير المجتمع وتقويضه أُسراً وأفراداً .
ومن القوانين الجائرة التي سنتها السلطة الفلسطينية وفرضت على المحاكم الشرعية تطبيقها – وهي مطبقة اليوم – رفع سن زواج الفتيات إلى ثماني عشرة سنة إذ لا يُسمح للفتات بالزواج دون هذا السن إن هذا القانون يعد من أخطر القوانين التي بدأ العمل لها منذ نهاية التسعينيات إذ وُكل الى قاضي القُضاة حينها ( الشيخ التميمي ) بالترويج لهذا القانون وقد زارنا في جنين والتقى نخبة من المشايخ كُنت أحدهم ولكنه جوبه بإنكار شديد ومعارضة قوية من الجميع ولم يتيسر لمؤسسة قاضي القُضاة أن تنجز مهمتها بسبب حصول الانتفاضة الثانية فتم الأمر بعد ذلك على يد الجمعيات النسوية وبعض الشخصيات السياسية العلمانية لتصبح قانوناً يخرج بسم قاضي القُضاة، حصل كل ذلك بعيداً عن أهل الاختصاص من علماء وقُضاة ومُفتين ومشايخ بمعنى أن الأمر قد فُرض فرضاً.
لم يقف الأمر في محاربة أحكام الأسرة عند القرار السابق بل لقد سُنّت وشُرعت أحكام وتعليمات أُخرى لا تقل خطورة عن القرار السابق ومن يراجع المحاكم الشرعية يقف على ذلك. وإذا أضيف إلى ما ذكرنا قرارات وأحكام وقوانين تتعلق بالأطفال فإن المشهد حين إذٍ يكتمل لما نحن ذاهبون إليه من قوانين وقرارات لا يُستبعد أن يكون الزواج المثليّ أحدها فضلاً عن كل القاذورات التي عافها الغرب اليوم ويحاول أن يتخلص منها بل ألغى كثيراً منها .
وإزاء هذا الخطر الداهم ينبغي على كل مكونات المجتمع من مسلمين وغير ومسلمين أن يقفوا سدا منيعاً لحماية أعراضهم أمام هذا الطوفان الجارف المنظم والممنهج الذي يفرضه الغرب ويتولى كِبره عندنا جمعيات ومنظمات وشخصيات سياسية بل وحكومات وسياسات. مطلوب من العلماء وخصوصاً أصحاب الشهادات العُليا في كليات الشريعة أن يرفعوا أصواتهم كما هو مطلوب التوجه إلى وجهاء وأعيان العشائر وخصوصاً في محافظة الخليل ومطلوب من القُضاة في دور القضاء الرسمية والمفتين في مؤسساتهم الرسمية والمعلمين في مدارسهم، كما هو مطلوب من الفصائل الإسلامية والوطنية أن يلتفوا ويتحدوا على مخالفة كل قانون يتعلق بالأسرة اذا كان مخالفاً لديننا وقيمنا التي تربينا عليها .
تصنيفات : قضايا و مقالات