أحكام فقهية
الميراث ليس مالاً فقط وإنما حقوق (ضبط التركة) أ.مهند يوسف المناصرة/ ماجستير دراسات إسلامية معاصرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، اللهم اجعلنا من أهل العلم، ومن أهل الحق وأعوانه، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى، سيدنا ومعلمنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
إن دراسة علم الفرائض أمر في غاية الأهمية، لاستقامة الناس على دينهم، ودنياهم، ولأهميته في إعطاء الحق لأهله، وفي استمرارية الحياة، وانتقال المال من المورث إلى الوارث. ولقد كثر الخلاف بين الناس على الأموال والحقوق، وطبيعة النفس البشرية تحب التملك والزيادة من الشيء، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول:(لو كان لابن آدم واديانِ من مالٍ لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب)[صحيح مسلم]، ويزداد الخلاف عندما يظن بعض الناس أن له حقا فيما تركه الميت والحقيقة ليست كذلك.
التركة في اللغة: الترك الإبقاء في قوله عز وجل: “وتركنا عليه في الآخرين” أي أبقينا عليه وتركة الرجل الميت: ما يتركه من التُراث المَتروك. أما في الاصطلاح: فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن التركة: هي كل ما يخلفه الميت من الأموال والحقوق الثابتة مطلقا. وذهب الحنفية إلى أن التركة: هي ما يتركه الميت من الأموال صافيا عن تعلق حق الغير بعينه. ويتبين من خلال التعريفين أن التركة تشمل الحقوق مطلقا عند الجمهور، ومنها المنافع، في حين أن المنافع لا تدخل في التركة عند الحنفية.
من خلال تعريف الجمهور تتحقق المصلحة للأبناء في الحصول على المنفعة والمال والحقوق التي كانت لوالدهم أما من خلال تعريف الحنفية فإن المنافع قد لا يستحقها الأبناء لأنها ليست مالا في المذهب الحنفي، فتورث الحقوق التي لها صلة بالمال من التركة، أما الأمور التي كانت للمورِّث واكتسبها بشخصيته في حياته، فيحصل ضرر لغير الورثة إن ورِّثت، أو ربما يسيء الورثة في استخدامها، وهنا لا تتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، ومثال ذلك انتقال المؤجَّر للورثة، فإنه لا ينتقل لهم عند الحنفية بخلاف الجمهور، فإذا مات أحد طرفي عقد الإجارة انتهى العقد ولو لم تنته مدّته.
التركة وفق القانون: هي الأموال والأشياء المادية والحقوق التي كان يملكها المورث، ومن الحقوق التي نص على وراثتها على سبيل المثال: حق الإجارة في المادة 709 من القانون المدني وحق الشفعة في المادة 1158 من القانون المدني. من خلال تتبع آيات المواريث في القرآن الكريم، فإن الميراث هو آخر شيء يصنع بعد وفاة الميت وقبله الأمور التالية على الترتيب: القيام بأمر الميت نفسه: من غسل وتكفين ودفن، ثم قضاء ديونه لكون الدين حائلا بينه وبين الجنة، ثم تنفيذ وصاياه في حدود ثلث التركة، وما زاد على الثلث فمحتاج إلى إجازة الورثة، ثم تقسيم ما بقي على ورثته.
الأموال التي تشملها التركة: الأموال والحقوق التابعة للمال تدخل في التركة بلا خلاف، والحقوق المتعلقة بشخصية المتوفى لا تدخل في التركة بلا خلاف أيضا، أما الحقوق الأخرى فهي محل خلاف بين الفقهاء، وفق الآتي:
“الصنف الأول: يدخل في التركة اتفاقا: الأعيان المالية بكل أنواعها عقارات ومنقولات، والأموال التي لم تدخل في حيازته مثل نصيبه في غلات الوقف التي استحقها المورث قبل الوفاة، والديون التي تكون للميت على غيره، والدية الواجبة بالقتل الخطأ أو بالصلح عن العمد، والحقوق العينية التابعة للمال وهي حقوق مالية تتعلق بمال الموروث لا بشخصه أو بإرادته، وخيارات الأعيان. الصنف الثاني: لا يدخل في التركة اتفاقا: الحقوق الشخصية المحضة مثل حق الحضانة، وحق الأب في الولاية على ذي المال، وحق الوصي في الإشراف على مال من تحت وصايته، وحق ولاية التزويج وغيرها من الولايات العامة والخاصة. الصنف الثلث: اختلف الفقهاء في دخوله في التركة وتوريثه أم لا، كالحقوق شبه المالية من جهة وشبه الشخصية من جهة أخرى، ففيها عنصر مالي وعنصر شخصي، فمن غلب الناحية المالية على الشخصية قال إنها تورث، ومن غلب الناحية الشخصية على الناحية المالية قال إنها لا تورث. ومن الأمثلة على هذا الصنف: المنافع، حق المدين في تأجيل الدين، الخيارات الشخصية البحتة كخيار الشرط والرؤية، وحق الشفعة، وحق الاحتجار في الأرض الموات لإحيائها.
تصنيفات : قضايا و مقالات