أستغرب دائماً من المروجات للإيجابية على الإنستجرام، يلتقطن صوراً لأنفسهن مع بضع كلمات فارغة يلقين بها في الوصف، وبعد الحصول على بضعة آلاف من المتابعين تبدأ بتسمية نفسها ب “شخصية مؤثرة” أو “شخصية إيجابية”، وما يزيد من الاستغراب أولئك الأشخاص الذين يتابعونهن ويدعمونهن!
هناك نوعان من الدوافع، دوافع داخلية وأخرى خارجية، فالدوافع الداخلية تتمثل برغباتك، آمالك، توجهاتك، وهي الأقوى والأطول تأثيراً وتلعب الدور الأساسي عند اتخاذ قراراتك، أما الدوافع الخارجية حتى وإن كانت تؤثر على حياتك تأثيراً مباشراً، فإن لم ترتبط برغبة داخلية منك فلن تكون كافيةً لتدفعك لفعلٍ معين، كالترهيب بالرسوب أو التحفيز من الأهل بالهدايا وغيرها، إن لم تمتلك تحفيزاً داخلياً موازياً بالقوة والتأثير فلن تدرس وبالتالي لن تنجح، الأمر بهذه البساطة!
التحفيز الخارجي يمكنه تقوية ودعم التحفيز الداخلي ولكن لا يمكن أن يوجده، إذن كيف يمكن لشخص لا يعرفني يلقي علي محاضرات مليئة بالكلام الأجوف المكرر المفرغ من المعنى أن يكون قادراً على التأثير بي؟ لنكن صريحين، قد نحصل على تأثير لحظي عند الاستماع إلى كلمات بعض الأشخاص ذوي الألسن المعسولة، لكنه كما قلت تأثير فقاعي لحظي، ما يلبث أن تفقأه صعوبة التنفيذ وقسوة الواقع.
الفتيات اللاتي يروجن لأنفسهن على إنستجرام بكونهن ملهمات وداعيات للإيجابية، ما هن سوى مجموعة من المتسلقات، يستغللن سذاجة البعض للحصول على الشهرة والمزيد من المال.. يمكن لأيٍ منا أن يصبح مؤثراً اجتماعياً، لست بحاجة للذكاء حتى، ما عليك سوى امتلاك المال والوجه الحسن -ويفضل أن تكون فتاة-، التقط صوراً جذابةً لنفسك، أظهر للعالم كم أنك أنيقٌ ورائع، أخبرهم أن أناقتك الحالية هي نتيجة معاناتك وصراعاتك في تجاربك السابقة، أخبرهم عن كفاحاتك وإنجازاتك، إن لم تجد شيئاً تفخر به فاختلقه، ثم ارمِ ببضع كلمات تحفيزية، ولا تنسى أن تضيف اللمسة الدينية التي تجتذب الجميع كالمغناطيس، اكتب آيةً أو حديثاً أو قولاً مأثوراً وانتهينا، فقط عليك أن تصبر لبعضٍ من الوقت إلى أن يصبح حسابك رائجاً، ثم تهانينا! أنت الآن مؤثرٌ اجتماعي!
لا تكمن المشكلة في استغلالهم للآخرين، وإنما في التأثيرات النفسية السلبية التي يخلفونها في نفوس متابعيهم، تراه ناجحاً رائعاً مشهوراً، تلحظ الفجوة الضخمة التي تفصلكما وتتنامى في صدرك الرغبة في تقليصها، لكنْ، للواقع دائماً رأي آخر، كلما حاولت أن تخطو خطوةً للأمام يصفعك صفعةً يكفهر لها وجهك، تدرك بعدها أن الأمر ليس بهذه السهولة، وأن جملة “لا تستسلم” التي يرميها آلاف الأشخاص -ممن ولدوا مع ملاعق ذهبية لا تفارق أفواههم وحالفهم كثير من الحظ- في وجهك ليست كافية لدفعك على التشبث والصمود.. ثم تظن بكل سذاجةٍ أن جذر المشكلة نابعٌ منك، وإلا لماذا ينجح كل هؤلاء وأنا لا؟! ولكنك نسيت عزيزي، أن قصص النجاح التي تسمعها رزمةٌ صغيرة من بين آلاف قصص الفشل الأخرى الكثيرة… ليس عليك أن تثبت نفسك لأي أحد، ليس عليك أن تحفر اسمك بدمك وتترك أثراً، ليس عليك أن تمتلك المال أو الشهرة لتصنف ناجحا في قاموس المجتمع المريض، إن استطعت الثبات على دينك في ظل هذه المفاسد فهذا هو النجاح الحقيقي، فالدنيا امتحان لتقرير مصيرك في الحياة الأبدية، ليس مهماً إن نجحت بمعايير الدنيا الفانية، ولكن المهم أن تنجح بمعايير الآخرة الباقية، فاترك عنك التافهين والمتسلقين وانجح أمام ذاتك بنجاحك بين يدي ربّك.
تصنيفات : قضايا و مقالات