الصبر ليس له جزاء إلا الجنة، د. ياسر حماد
أغسطس 10, 2023
للمشاركة :

من سُنَّن الله الجارية في خلقه البلاء؛ فهناك من يُبتلى بنعمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو غير ذلك، فالله عزَّ وجلَّ قضى على كل إنسان نصيبه من البلاء؛ قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35)، فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب، فمن الناس من يفهم حكمة الله تعالى في ابتلائه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من يجزع ويتسخَّط.

وقد ورد ذِكر الصبر في القرآن الكريم في عشرات المواضع في موطن المدح والثناء، وذلك لعظم أجره، وهو من الأمور التي لا تدخل الموازين لقوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر: 10)، كما ورد الصبر في العشرات من الأحاديث، وهو بمنزلة الرأس من الجسد.

 وﺍﻟﺼﺒﺮ لغة: ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻭﺍﻟﺤﺒﺲ، ﻭﺳﻤّﻲ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺻﺒﺮﺍ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺒﺲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭمعناه في ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ: حبس النفس عن كل ما يسخط الله في القلب واللسان والجوارح، وقيل: تحمل البلوى من غير شكوى.

والصبر ثلاثة أقسام

  1. الصبر على الطاعات: ويكون بالمحافظة والدوام عليها.
  2. الصبر عن المعاصي: فالنفس بطبعها تميل إلى الشّهوات
  3. الصبر على المصائب:” ويكون بمنع النفس عن التسخط، وأعلاها الصبر على أذى الناس، قال تعالى : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ” (الحجر: 197)

وللصبر فضائل كثيرة جدا، أولها الثواب العظيم في الآخرة قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( الزمر: 10). قال سفيان:” إنما الأجر على قدر الصبر”، وفي تفسير البغوي:” كل مطيع يكال له كيلًا، ويوزن له وزنًا إلا الصابرين، فإنه يحثى لهم حثيًا”، وقال أنس بن مالك:”يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبًّا بغير حساب”، وقال السدي:” يعني في الجنة”.

وثاني تلك الفضائل محبة الله قال تعالى:” وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” ( آل عمران: 146)، وثالثها  تحقق معية الله للصابرين قال تعالى:” وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” ( الأنفال: 46)، أما رابعها فهو البشائر المتعددة، فقال تعالى:” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة: 157)، أما أعظم تلك الفضائل فهو دخول الجنة جزاء لمن صبر قال تعالى:” وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا”(الإنسان: 12)، وفي الصحيحين عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما:(أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بلى، قال: هذه المرأةُ السَّوْداءُ، أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالتْ: إني أُصْرَعُ، وإني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ لي، قال: (إن شِئتِ صبرتِ ولك الجنَّةُ، وإن شِئتِ دعَوتُ اللهَ أن يُعافيَكِ)، فقالتْ: أصبِرُ، فقالتْ: إني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ ألا أتَكَشَّفَ، فدَعا لها)، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّة. فالجنة تنتظر الصابرين جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة الصابرين المحتسبين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تصنيفات :