بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فقد خلق الله تعالى البشر زوجين اثنين ذكرًا وأنثى، ولقد ورد في القرآن ما يقارب إحدى وعشرين آية جاءت في المساواة تخاطب فيها الذكر والأنثى في قضايا متعددة؛ ولكن هل هذه المساواة العامّة تقتضي المساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة؟ وهل تتناقضُ مع الاختلاف في الصفات الجسديّة والنفسيّة وما يترتّب على ذلك من اختلاف في الوظائف والمهام؟
إنّ المساواة المطلقة التي يهتف بها البعض ويرفعها شعارًا مستحيلة التّطبيق في المجتمعات الإنسانيّة كلّها، ولو تمّ فرضُها في المجتمع عن طريق الجبر فلن يجني المجتمع إلّا التّنافر بين الرّجل والمرأة، إذ إنّ العلاقة بينهما على وفق هذا الاختلاف في التّكوين هي علاقة تكامل وظيفيّ، فلو كانا يتّصفان بصفاتٍ متطابقة تطابقًا مطلقًا، وكانت المساواة بينهما مطلقة، لكان خلقُهما مختلفَين في الجنس نوعًا من العبث، والله تعالى منزّه عن العبث، وإن تطابقت وظائفُهما فلا يمكن أن تكون النّتيجة إلّا التّنافر بينهما مما يؤدّي إلى هدم المجتمع البشري مع الزّمن.
فالإسلام يقرر المساواة إذا تحدَّث عن المرأة باعتبارها شخصيّة إنسانيّة ذات قيمة شخصيّة مساوية تتحمّل واجباتٍ أخلاقيّة وإنسانيّة، ولكن لا يقرر المساواة إذا كان الأمر يتعلّق بالتّساوي في الوظائف والدّور في الأسرة والمجتمع. فالمساواة تكون عادلةً في حال تشابهت الخصائص والصفات بين الشيئين، وليس إن كانا مختلفين بالخصائص والصفات والقدرات، كما هو الحال بين الرجل والمرأة مثلاً.
فالحقيقة أنّ الإسلام دين مساواة عادلة، والعدل هو: وضع كلّ أمرٍ في الموضع الذي أراده الله له، فيكون التوازن الذي يؤتي كلّ طرفٍ حقّه دون ظلمٍ أو جورٍ، وهنا تتجلى النقطة الأساسية في هذا الموضوع: فالإسلام يقرر المساواة العادلة التي تجمع بين المتشابهين، وتفرّق بين المختلفين، فالإسلام يساوي بين المرأة والرجل في: الخصائص الإنسانية، والثواب، والعقاب، والتكاليف الشرعية، والحقوق السياسية والتفقه في الدين. إلّا أنّه يفرّق بينهما في الخصائص الجسدية، والنفسية، والعقلية، وذلك عين العدل الذي لا تحققه المساواة المطلقة بجمعها بين المختلفين دائماً، فالمساواة مستحيلة بين الرجل والمرأة.
وإذا نظرنا إلى الشريعة الإسلامية نرى أن الإسلام قرر التفرقة بين الرجل والمرأة في بعض الأمور التي يرى البعض أن فيها ظلماً للمرأة، ولكنهم إذا تأملوا وجدوا أن الإسلام راعى فيها طبيعة المرأة التي تختلف عن طبيعة الرجل. وقبل الحديث عن هذه الأمور لا بد من التذكير ببعض الفروقات بين الرجل والمرأة التي تؤيد استحالة المساواة بين الرجل والمرأة: فقد قدّر الله -تعالى- أن تكون خِلقة الرجل على غير خِلقة المرأة وهيئتها، وطبيعة تكوينها، فإنّ في الرجل قوةً طبيعيةً، والمرأة أنقص منه في ذلك؛ لما يعتريها من أحوال الحيض، والنفاس، والمخاض، والإرضاع، وغيره من تربية الأبناء، وتقديم الرعاية لهم، فكان من آثار ذلك الاختلاف في الخِلقة الاختلاف في القدرات الجسدية والعاطفية والإرادية، إضافةً إلى أمورٍ كثيرةٍ أخرى أشار إليها الطب الحديث. لهذه الأسباب فرق الإسلام بين الرجل والمرأة في الأعباء الاقتصادية، ونصاب الشهادة، والقوامة في البيت، والميراث، وأحقية الرجل بإيقاع الطلاق ونظام تعدد الزوجات. هذه الأمور جميعها لو رجعنا للشريعة الإسلامية نجد الرد على كل نقطة من الممكن أن يستخدمها المغرضون والعلمانيون للطعن في الدين الإسلامي وشرعه، وقولهم أن الإسلام يظلم المرأة ولا يساويها بالرجل، فنقول لهم باستحالة المساواة بين الرجل والمرأة.
تصنيفات : قضايا و مقالات