الأستاذ الدكتور إسماعيل محمد شندي (عمايره)
أستاذ الفقه المقارن في قسمَي تعليم التربية الإسلامية، والقضاء والسياسة الشرعية في جامعة القدس المفتوحة/فرع الخليل.
رئيس لجنة برنامج ماجستير “الدعوة الإسلامية العلاقات الدولية في الإسلام”، جامعة القدس المفتوحة/رام الله.
- لو يحدثنا فضيلة الأستاذ الدكتور عن حياته العلمية والعملية:
أكملت الدراسة الثانوية العامة في العام 1983م، ثم عملت بعدها مدّة سنتين لتحضير بعض المال اللازم للدراسة، حيث إن وضع الوالد رحمه الله لم يكن يسمح له بالإنفاق على تعليمي ثم التحقت -بمساعدة مالية لاحقة من قبل شقيقي- بجامعة النجاح الوطنية في العام 1985م، وبعد نحو عامين ونيّف أغلقت الجامعة بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987م، ثم أعيد فتحها في العام 1991م، وتخرّجت في كلية الشريعة في العام 1992م، وكنت الأول على الدفعة آنذاك، وبناء عليه التحقت مباشرة ببرنامج ماجستير الفقه والتشريع على حساب الجامعة، وفق قانون كان يُعمل به آنذاك، وتخرجت في العام 1996م، وعملت مباشرة على حساب العمل الإضافي في كلية الشريعة في جامعة الخليل، وقسم التربية الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة فرع الخليل، وفي العام 1998م تم تعييني رسميًّا في قسم التربية الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة/ فرع الخليل، ثم التحقت في العام نفسه بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في جمهورية السودان، لنيل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن، وبعد نحو عامين منعت من السفر أيضًا، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000م، وبقيت كذلك إلى العام 2001م، حيث سمح لي بالسفر بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية، وذهبت إلى السودان، وبعد وصولي بأسبوع توفي والدي رحمه الله، وتمّت المناقشة في شهر 6 من العام التالي 2002م، وحصلت بتوفيق الله وكرمه على تقدير ممتاز، ثم عدت إلى أرض الوطن، وبدأتُ حياتي العملية محاضرًا في قسم تعليم التربية الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة، وفي كلية الشريعة في جامعة الخليل على حساب العمل الإضافي، ثم رئيسًا لقسم تعليم التربية الإسلامية، ثم عملت مدرسًا في برنامج ماجستير القضاء الشرعي في كلية الدراسات العليا في جامعة الخليل، وما بين الفينة والأخرى تنزل لي بعض المساقات في هذا البرنامج، كما ناقشت عددًا كبيرًا من رسائل الماجستير في هذا البرنامج، وأشرفت على عدد آخر، كما عملت في برنامج الدكتوراه المشترك بين الجامعات الفلسطينية (النجاح، والخليل، والقدس)، وناقشت عددًا من الرسائل العلمية فيه، إضافة إلى ذلك فقد شاركت في مناقشة عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة القدس، ودرست بعض المساقات في برنامج ماجستير الفقه والتشريع وأصوله/ فرع دورا، وأترأس حاليًّا برنامج ماجستير الدعوة الإسلامية والعلاقات الدولية في الإسلام في جامعة القدس المفتوحة، وقمت بتدريس عدد من المساقات التي تطرح فيه، وما زلت أدرس فيه، وأشرفت على بعض الرسائل التي تمت مناقشتها، ولدي الآن عدد آخر، كما أعمل حاليًّا في قسم القضاء والسياسة الشرعية الذي استحدث منذ عامين في جامعة القدس المفتوحة.
- فضيلة الأستاذ الدكتور ممن درس المرحلتين الجامعتين الأوليين في فلسطين، ثم خرج للدكتوراة خارج فلسطين، ما قراءتكم للحركة العلمية الشرعية في فلسطين خلال هذه الفترة؟ أين كانت وأين صارت؟ وما هي متطلبات تطويرها؟
الحركة العلمية الفلسطينية في المجال الشرعي -موضوع السؤال- خلال فترة دارستي كانت بخير والحمد لله، لكن لم يكن عدد الأقسام والكليات الشرعية في الوطن كما هو الآن، وقد درست العلوم الشرعية خلال تلك الفترة على أيدي كفاءات علمية مميزة، وعليه يمكنني القول بأن لدينا في فلسطين كمًّا كبيرًا من الكفاءات العلمية التي يشار إليها بالبنان، وكانت جلّ الكليات العاملة في تلك الفترة تدرّس العلوم الشرعية في مرحلة البكالوريوس فحسب، ثم بدأت هذه الكليات تتطوّر بطرح برامج الماجستير، وكنا نوجّه من هذه الكفاءات العلمية إلى الجد والاجتهاد والبذل في سبيل التفوق والتميز، وأخيرًا ومنذ ما يقرب من أربع السنوات تم طرح برنامج الدكتوراه المشترك بين الجامعات الثلاث (النجاح، والخليل، والقدس)، ثم طرح برنامج آخر في أصول الدين في جامعة النجاح، وهناك برامج أخرى في قطاع غزة في مجال الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه، ويمكنني القول بأن الكليات التي تدرس العلوم الشريعة في فلسطين كثيرة جدًّا، وهي تتوزع على جغرافية الوطن؛ الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس، والداخل المحتل، وهي تتطور بشكل لافت في مجال طرح الأقسام الجديدة في مرحلة البكالوريوس، والبرامج المختلفة في مجال الدراسات العليا، ونحن نطمح إلى المزيد من الأقسام والتّخصّصات النافعة، وأما بخصوص متطلبات التطور، فأقول بأن جلّ كليات الشريعة في الجامعات الفلسطينية تعاني من نقص كبير في الكادر الأكاديمي المتفرغ للعمل فيها، وهي بحاجة ماسة وماسة جدًّا لرفدها بالكادر الأكاديمي المتفرغ، ليقوم بدوره في الارتقاء بالعملية التعليمية، والإسهام في طرح البرامج المختلفة، أضف إلى ذلك هناك حاجة ماسة للتخفيف من الأعباء الأكاديمية الكبيرة التي تلقى على عاتق الأكاديميين في بعض هذه الكليات، مما يثقل كاهلهم، ويقتل وقتهم، ومن هنا فإنني أهيب بالمسؤولين في الجامعات الفلسطينية بأن يطبقوا النظام فيما يتعلق بالأعباء الأكاديمية، وبما يتناسب مع الرتب العلمية، وأن يعمل على إعادة العمل بنظام التفرغ العلمي لأعضاء هيئة التدريس لتطوير أنفسهم، وتفريغ مساعدي بحث وتدريس ليعينوا الطواقم الأكاديمية في بعض المجالات؛ ليتفرغ أولئك للبحث والتطوير، كما هو معمول به في الجامعات العربية والإسلامية في خارج الوطن.
3. الأستاذ الدكتور يوصف بأنه صاحب قلم سيّال، فله العديد من المؤلفات والأبحاث، ما سرّ هذا الأمر؟ وما النصيحة التي تقدمها لطلبة العلم حول تطوير أنفسهم في التأليف والكتابة الأكاديمية؟
كما أسلفت، درست مرحلة البكالوريوس في جامعة النجاح الوطنية، وكنت -بحمد الله- من الطلاب المجدين المميزين، وقد لاحظ هذا أساتذتي الأفاضل في كلية الشريعة حينذاك، جزاهم الله عني وعن الإسلام والمسلمين كلّ خير، حيث كنت ألاقي منهم الدعم والتشجيع، وكان لإدارة الجامعة مشكورة موقف رائع في هذا المجال أيضًا، تمثّل في إعفائي من الرسوم الدراسية طوال مرحلة البكالوريوس، وقد بقي هذا الدّعم في مرحلة الماجستير أيضًا، حيث كانت الدراسة كلّها على حساب الجامعة، أضف إلى ذلك بعض المال الذي كان يقدّم لي من الجامعة مصروفا شخصيا كوني الأول على الدفعة في المرحلة الجامعية الأولى وفي الماجستير كذلك، وكان هذا كله يدفعني إلى بذل المزيد من الجهد في الدراسة والبحث والتميّز، ورغم التحاقي بالعمل بعد الحصول على درجة الماجستير إلا أن التشجيع قد استمر من بعض أساتذتي الكرام، لدفعي إلى الالتحاق بإحدى الجامعات العربية للحصول على درجة الدكتوراه، وأزعم أنني وخلال وجودي في جمهورية السودان كنت ألاقي التشجيع من عدد من الأساتذة، وبخاصة من لازمتهم هناك، وعلى رأسهم المشرف على رسالتي ومناقشيّ الكريمين رحمهم الله جميعاً، وكنت أسمع تلك العبار الجميلة، التي أنقلها خلال محاضراتي للمبدعين من طلابي:” اكتب يا بنيّ، فإن الكتابة جسدك الباقي”، كل ما سبق أثر فيّ، وجعلني ألتصق بالمكتبة والكتب، وأكون جلّ وقتي مع البحث والتنقيب، وأذكر أن أحد المناقشين في الدكتوراه قال لي عبارة رائعة جدًّا بعد إعلان النتيجة ما زلت أذكرها، وتدفعني إلى بذل المزيد:” أنت الآن بالدكتوراه وضعت قدمك على الدّرجة الأولى في سلّم البحث العلمي الذي لا نهاية له فلا تتوقف”، وكان لشخصية المرحوم الأستاذ الدكتور أمير عبد العزيز أثر كبير عليّ في هذا الجانب، أضف إلى ذلك أنني أضع لنفسي في بداية كل عام دراسي مخططًا بحثيًّا أسير عليه، كما أتجنب العمل الإضافي، والتدريس في الفصول الصيفية، لأكمل بهدوء ما كنت قد خطّطت له، وأما بخصوص النصيحة التي أقدمها لطلاب العلم في هذا الشأن، فهي أن لا يضيع الطالب شيئًا من وقته بلا فائدة، وأن يكون له مخطط دقيق يسير عليه، وأنصحهم بضرورة الجد والاجتهاد؛ خدمة لهذا الدين، وقد ثبت لي بالتجربة أن البحث في أمر يفتح غالبًا على الباحث آفاقًا بحثية جديدة، وتظهر لديه عناوين أخرى تحتاج إلى الكتابة والبحث، وكل عمل يقود إلى آخر، وهكذا، وأنا لي عبارة في الشأن العلمي والكتابة يعرفها طلابي، وبخاصة طلاب الدراسات العليا وهي:” إن للعلم شرطًا وحيدًا عليك، أن تعطيه كل وقتك حتى يعطيك بعض ما عنده”.
4. يرأس الأستاذ الدكتور قسم تعليم التربية الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة، ماذا يخبرنا الدكتور عن هذا القسم وعن التحديات والطموحات التي تواجهونها فيه؟
كنت سابقًا رئيسًا لهذا القسم، وعلى مدار فترتين، أما الآن فهناك زميل آخر يرأس هذا القسم، وهو الأخ د. علي علوش، ويمكنني القول بأن هذا القسم بخير والحمد لله، كان عدد الطلبة فيه يزيد على الثلاثة آلاف طالب وطالبة على مستوى فروع الجامعة في الوطن، ثم حصل ولأسباب موضوعية تناقص في عدد الطلاب الذين يدسون فيه، كما هو الحال في كليات الشريعة في الجامعات الفلسطينية، وقد أكمل كثير من طلاب هذا القسم دراستهم لنيل درجة الماجستير والدكتوراة، وتم منذ أربع سنوات تقريبًا تطوير برنامج ماجستير يخدم هذا القسم والأقسام المشابهة، تحت اسم:” الدعوة الإسلامية والعلاقات الدولية في الإسلام”، ولدينا النيّة في المستقبل بإذن الله لطرح برنامج دكتوراه أيضًا، وأما عن أبرز التحديات التي نواجهها في هذا القسم فهي نقص الكادر الأكاديمي المتفرغ، فمن المهم أن يكون الأستاذ قريبًا من الطلبة، بحيث يتابعهم عن قرب، ونتمنى على إدارة الجامعة أن تهتم بهذا الموضوع، ونحن نقوم بين الفينة والأخرى بتطوير المقررات الدراسية التي بحاجة إلى تطوير، أضف إلى ذلك أننا طرحنا -كما أشرت- تخصصًا جديدًا يمنح درجة البكالوريوس في القضاء والسياسة الشرعية، حيث إن الطالب الخريج من هذا القسم يستطيع العمل فورًا في سلك القضاء والمحاماة دون الحاجة إلى التدريب عند محام، وهناك إقبال كبير من الطلبة على الدراسة في هذا التخصص، يرأسه حاليًا زميلي الأستاذ الدكتور محمد الشلش، ونطمح في المستقبل بإذن الله أن نطور فيه برنامجًا لنيل درجة الماجستير.
5. الأستاذ الدكتور ابن محافظة الخليل، وتشهد المحافظة أحيانًا أحداثًا مؤلمة مثل المشكلات العائلية كما حصل في إحدى القرى منذ مدة، ما هو دور العلماء وطلبة العلم الشرعي والدعاة في هذه المسألة؟
تشهد محافظة الخليل في الآونة الأخيرة أحداثًا خطيرة ومؤسفة جدًّا، تؤرّق كلّ حرّ وغيور على هذا الوطن العزيز، وهي أحداث طارئة على محافظة الخليل، التي يَشهدُ لها الكلُّ الفلسطيني بأنها مُحافَظَةٌ محافِظَةٌ؛ تعنى بالانضباط والتدّين والكرم والنّخوة، والّلافت في هذه الأحداث أنها تأتي في هذا الظرف العصيب الذي يمرُّ فيه الوطن برمّته، وما يجري الآن لا يَقْبَلُ به دينٌ ولا عقلٌ ولا منطقٌ سليمٌ، وأكثر ما يزعج في هذه الأحداث امتداد نارها لتحرق الأخضر واليابس، وتدّمر الاقتصاد الوطني، وتشرّد العائلات، وتُدخِلُ فيها من لا علاقة له بتلك الأحداث أصلًا، فيقع ضحيّة، ويجرُّ إلى مربعّ هو بعيدٌ عنه أصلًا، وأهل العلم الشّرعي في المحافظة يقومون بواجبهم التّوعوي وفق المتاح لهم، وبقدر ما يستطيعون، من خلال الخطب والدّروس والمحاضرات والحديث في العطاوي التي تترتّب على هذه الأحداث المؤسفة، والتّشديد على حرمة دم المسلم وماله وعرضه، وما يمكنني قوله في هذا السّياق أنه يجب بذل المزيد من قبل الإخوة العلماء والوعّاظ والدّعاة في هذا الموضوع واستمرار التّأكيد على حرمة الدم والمال والعرض، والطّلب من العائلات في المحافظة أن تقوم برفع الغطاء عمّن يسيء من أفرادها، بدلًا من أن تقف معه وتعينه على الشّر، أضف إلى ذلك العمل فورًا على إلغاء الأفعال الشّنيعة التي تحصل بعد عمليّات القتل في هذه المحافظة من حرق وإتلاف وتدمير، تحت غطاء ما أفرزه العرف الجاهلي البغيض تحت مسمّى (فورة الدم)، وأن يتم التّأكيد على تأثيم هذا العمل، وأنه مخالف للدّين والقيم، وأنه يعدّ اعتداءً جديدًا، يتحمّل وزره من قام به، وأعتقد أن على رجال الإصلاح في محافظة الخليل دور مهمٌّ كذلك، كونهم يتصدّرون المشهد في هذه الأمور، فلا بدّ أن يتداعوا للعمل فورًا على تجريم هذا الفعل، واعتبار من قام به مجرمًا تجب محاسبته، ثم لا بد أن تقوم السّلطة الفلسطينية بواجبها في هذا الشأن، فإن الوعظ وحده غير كافٍ في هذا الموضوع.
6. ما زال المسجد الإبراهيمي يعيش حالة التقسيم الزماني والمكاني ويمنع المسلمون فيه من رفع الأذان في كثير من الأحيان، ما هو واجب أهالي الخليل بعلمائهم ودعاتهم وعامتهم تجاه هذه القضية؟
المسجد الإبراهيمي الشّريف يعيش في هذه الأيام أوضاعًا صعبة وخطيرة، من خلال الاعتداءات المتكرّرة من قبل المستوطنين المدعومين من قوات الاحتلال، حيث يمنع الفلسطينيون من رفع الأذان في أحيان كثيرة في هذا المسجد، وتقوم قوات الاحتلال والمستوطنون بالتّضييق المستمر على المصلين فيه، ويمكنني القول بأن حال هذا المسجد لا تقل سوءًا عن حال المسجد الأقصى المبارك، وقد خضع هو فعلًا للتّقسيم الزّماني والمكاني، وفي ظلّ هذا الواقع المرير، لا بدّ من أن يقوم أهل الخليل بخاصة بتعزيز التّواجد في هذا المسجد، وعلى الكّل الوطني الفلسطيني كذلك أن يُسهم في تعزيز هذا التّواجد المكثّف، تأكيدًا على هويته العربية والإسلامية.
7. ما هو أقرب مؤلفات الأستاذ الدكتور إلى قلبه ويشعر بالفخر به؟ وما سبب ذلك؟
ما كتبته كلّه عزيز عليّ، ولا أستطيع أن أقدّم بعضًا منه على بعض، فأبحاثي كلّها قريبة إلى قلبي، وأشعر بالفخر والاعتزاز بها، فقد بذلت في سبيلها الوقت والمال، وسهرت لأجلها وتعبت، وقد أخذت وقتًا طويلًا من عمري، وهي عندي كأبنائي لا أقدّم أحدًا منهم على الآخر، أسأل الله -العلي القدير- أن يتقبّلها منّي، وأن ينفع بها طلاب العلم والباحثين، وأن يجعلها في صحائف أعمالي يوم أن ألقاه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.
تصنيفات : قضايا و مقالات