أَولى الإسلام عنايةً بالغةً بالأسرة والعلاقات الزوجية، فبيَّن مسؤوليات وواجبات الزوجين؛ لتسعد الأسرة، ويستقيم حالها ومن ثم المجتمع.
ومن أعظم ما يجب على الزوجين؛ المعاشرة بينهما بالمعروف، وحسن الصُّحبة، لقول الله تعالى:” وعاشروهن بالمعروف” وأن يَعرف كلٌّ منهما ما له وما عليه، ويقوم بواجبه تجاه صاحبه، ويراقب الله فيه، فلا يظلمه ولا يمطل بحقه، ولا يحتقره أو يهينه أو يؤذيه، ولا يكلفه شَطَطًا أو يحمله ما لا يطيق؛ قال الله تعالى:” ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف”، وقد دلَّت الآيةُ الكريمة على أنَّ للزوجة على زوجها مثلَ ما له عليها، منَ المعاملة بالحسنى، والمعاشرة بالمعروف، والدفع بالتي هي أحسن، والحذر من إيذائها ومضارتها، وأن يتقي الله تعالى فيها، ويحب لها ما يحب لنفسه، ويأتي إليها بمثل الذي يحب أن تأتي به إليه، من هذا الفهم؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تَتَزَيَّنَ لي؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ” ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف”، وبالمقابل فإنَّ من حقِّ زوجها عليها؛ أن تعاشره بالمعروف، وتعامله بالحسنى، وتحسن صحبتَه، وذلك بإخلاص الودِّ له، والتحبُّب إليه، والتودُّد له، وتأنيسه وملاطفته، والتجمُّل له، وحفظ سرِّه، وإظهار محبته وتقديره، ومشاركته في آلامه وآماله، وأفراحه وأتراحه، وتلقِّيه إذا دخل بالبِشْر والسرور، والبشاشة والهشاشة، والدعاء له بالتوفيق والإعانة.
حسن العشرة والصحبة بالمعروف مقصد مهم من مقاصد الشريعة في أحكام الأسرة، إذا التزم بها الزوجان؛ تحقَق لهما الأُنس والسعادة، والسَّكن والراحة، وحصل بينهما الوفاق والوِئام، وتهيَّأ الجوُّ الصالح للتربية؛ حيث تنشأ الناشئة في بيت كريم، تعمره المودَّة والرحمة، ويسوده التعاون والتفاهُم، والاحترام المتبادَل، بعيدًا عن صخب المنازعات في أروقة المحاكم، وآلام الشِّقاق والمشاحنات، وتطاول كل من الزوجين على الآخر؛ فالزواج لا يؤتي أكله، أو يحقق مقاصده إلاَّ إذا حسنت العشرة بين الزوجين، وقام كل واحد منهما بحق صاحبه عليه.
لذا على الزوجين أن يتفقا ولا يختلفَا، ويُيسِّرَا ولا يُعسِّرَا، وأن يُحسن كلٌّ منهما صحبةَ الآخر، ويحرص على إسعادِه، وتحقيقِ رغباته المشروعة، وأن يتنازلَ عن شيء من طلباته ورغباته مِن أجل صاحبه وشريك حياته، وأن يُوطِّنَ نفسَه على قَبول بعض الهفوات، والتغاضي عن بعض المنغصات، فإن كل إنسان فيه جوانب ترضي وجوانب لا ترضي؛ فالعاقل هو الذي يوجه نظره وإعجابه إلى ما يرضيه ممن يخالطهم ويغض الطرف عما لا يرضيه، فإن كان مما يمكن معالجته وإصلاحه عمل على تهذيبه بالتربية الحسنة وإلا وجّه نظره إلى الصفات الحسنة والجوانب الإيجابية فبهذا فلن يكره المرأة بخلاف ما لو ركز نظرة على الجوانب السيئة، فلن يهنأ له عيش وسيعيش في هم وحزن وسيكون هو أول الخاسرين.
فالأسرة؛ قبل أن تكون جنساً أو اقتصاداً أو اجتماعاً؛ هي تجاوب مع متطلبات فطرة أصيلة في النفس الإنسانية، هي حالة الاستقرار والمشاعر الطيبة والود والاحترام وحسن الصحبة التي لا تجد منطلقها إلا في جو هادئ مستقر، والاستقرار مادياً ونفسياً لا يتحقق إلا في أسرة وبيت حققت مقاصد الشريعة بحسن المعاشرة بين الزوجين.
تصنيفات : قضايا و مقالات