بشارات على طريق الانتصار
د. جهاد شحادة
الحمد لله رب العالمين، معز المؤمنين، ومذلّ الكافرين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد الغرّ الميامين، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله I حق جهاده حتى أتاهم اليقين، وعلى من سار على دربهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن الوعد الإلهي للمؤمنين بالنصر والتمكين ماضٍ، ولن يخلف الله وعده، وهذا ثابت لكل متأمل ومتدبّر لكتاب الله U وسنّة رسوله r، فالله I يقول في كتابه العزيز: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [الروم: 47] ، ويقول تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ) [غافر: 51]، ويقول الرسول : (بشّر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض)([1])، وهذا الوعد ليس بالنصر والتمكين فقط، بل وبالاستخلاف في الأرض، كما قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ) [النور: 55]، وكذلك فقد أخبر النبي عن الطائفة المجاهدة المنصورة في الشام والتي لا يضرها خذلان من خذلها، فقال تعالى: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)([2]).
وإن الأمة اليوم بعد انطلاق طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول، وهذا الانتصار العظيم على دولة الاحتلال بقوة الله U ومدده لعباده المؤمنين، فإنها تنتظر البشارات العظيمة التي رسم لنا معالمها القرآن الكريم والسنّة المشرفة، وأبرزت لنا تباشيرها هذه المعركة المباركة، وهذه بعض هذه البشارات:
البشارة الأولى: إن النصر قريب: فالانتصار في جولة طوفان الأقصى يقربنا من النصر الكبير على هذا العدو الغاصب لأرضنا ومقدساتنا، وما ارتقاء الآلاف من الشهداء، وما هذه الجراح والآلام التي تعيشها بلادنا وخاصة أهلنا في غزة العزة إلا دلالة اقتراب تحقيق هذا النصر، وما غايتها إلا تمحيص الأمة واختبارها وإحياؤها، واصطفاء المؤمنين الصادقين الصابرين، يقول تعالى: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ) [البقرة: 214].
البشارة الثانية: زوال دولة الاحتلال: فقد انكشف ضعف جيشه، وبدا وهنه أوهن من بيت العنكبوت، وظهر خور جنوده أمام بأس المجاهدين الصادقين كما وصفهم الله : (عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ) [الإسراء: 5]، وتعرت الصورة الزائفة لجيش الاحتلال باعتباره أحد أقوى جيوش العالم، فتجلت في جنوده الحقيقة الربانية: (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ ) [البقرة: 96]، وسيتحقق فيهم وعد الله I كما اخبرنا المصطفى r: (لتقاتلن اليهود، فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي، فتعال فاقتله)([3]).
البشارة الثالثة: عودة القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى إلى موقع الصدارة من جديد: فإن الاهتمام بقضية فلسطين، وفي القلب منها المسجد الأقصى كان قد تراجع عالمياً، وللأسف حتى بين كثير من أبناء الأمة الإسلامية، فجاء هذا الانتصار ليعيدها إلى بؤرة الأحداث، وليحرك المشاعر الإيمانية لدى أبناء المسلمين لنصرة الأقصى، وليوقظ مشاعر الأخوة الإيمانية بين المسلمين ليهبوا نصرة لغزة ومجاهديها، بل وليبرز عدالة قضية فلسطين عند المنصفين من الشرق والغرب.
البشارة الرابعة: يقظة الروح الإيمانية ومعاني العزة لدى المسلمين وخاصة فئة الشباب: فقد رأى الناس وهؤلاء الشباب ماذا فعلت هذه الثلة المؤمنة، والتي تربت في المساجد على كتاب الله I، وسنّة رسوله r، وكيف استطاعت هذه الفئة المؤمنة العظيمة بإيمانها وإرادتها، القليلة بعدتها وعددها، الصادقة الحكيمة بإعدادها؛ أن تقهر جيشاً يمتلك ترسانة ضخمة من أحدث الأسلحة عالمياً، وصدق فيهم قول الحق : (كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة: 249]، فصارت حديث الناس في مجالسهم، وهتافهم في مسيراتهم ووقفاتهم، وغدت في نظر المنصفين هي الأجدر بقيادة المرحلة، ومنهجها هو الأصوب لإعادة الحق واسترجاع الأرض.
البشارة الخامسة: تحرير الأسرى: فقد بدا واضحاً، وبما لدى المجاهدين من أوراق وأسرى، أن مسألة تحرير أسرانا من سجون الاحتلال قد غدت مسألة وقت لا أكثر، وأنه لن يطول الانتظار حتى يكون أسرانا بيننا، ورغم التشديد والتضييق عليهم والذي بلغ أقصاه بعد طوفان الأقصى، إلا أنه سيكون بعده الفرج والحرية بإذن الله.
هذه بعض البشارات التي صارت تلوح لكل ذي لب بعد هذا الانتصار المبارك، والتي نسأل الله I أن نراها قريبة.
(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ)
([1]) رواه أحمد في المسند، 35/146، والحاكم في المستدرك، 4/346، وصححه ووافقه الذهبي.
([2]) رواه أحمد في المسند، 24/363، والترمذي في السنن، 4/485. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
تصنيفات : قضايا و مقالات