التضحية طريق الانتصار/ أ. سمر حمد
ما كان لشعب أن ينتصر على جلاده إلا بتقديم التضحيات الجسام، ولنا في هدي القرآن والسنة خير أسوة، فلقد أكد القرآن الكريم على أهمية التضحية وحث المسلمين عليها في غير موضع، حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
تقدم هذه الآية صفقة رابحة للمؤمنين الطامحين الى رضوان الله والمريدين للعزة والكرامة والسؤدد، نعم صفقة بينهم وبين الله يبيعونه أنفسهم وأموالهم ويجازيهم بها الجنة والنصر والتمكين.
وروى النسائي عن سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: “إن الشيطان يقعد لابن آدم في أطرقه -في عدة طرق- يقعد له في طريق الإسلام، فإذا أراد أن يسلم قال له الشيطان تسلم وتذر دينك ودين آبائك ودين آباء أبيك فعصاه فأسلم -يعني ضحى بما كان عليه آبائه من دين استطاع أن يضحي-.. ثم قعد له في طريق الهجرة فقال: تهاجر وتترك ولدك ومالك وسمائك…”.
قال: “ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تقاتل فتقتل فتنكح الزوجة ويقسم المال فعصاه فجاهد..”.
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “فمن فعل ذلك كان حقًّا على الله -عز وجل- أن يدخله الجنة وإن قتل كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته ناقته فمات -يعني وهو في الطريق إلى الجهاد ما وصل إلى ساحة المعركة بعد إنما لا يزال على الطريق لم يصل- كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة”
كلمات تشع نورا من في النبي ( صلى الله عليه وسلم )، وتزأر بالقوة والعزة، تخاطب كل أمة تسعى لنيل النصر والحرية والتمكين، يخاطبهم بأنه لا تمكين بلا تضحية، ولا عزة بلا بذل، وأنه لا يخذِّل عن التضحية إلا الشيطان وأولياؤهم.
وقد ضرب لنا التاريخ أمثلة صارخة في أن الشعوب لا تنال العز إلا بالتضحية، فلم تكن دولة الإسلام الأولى في المدينة لتقوم لولا شهادة سمية ياسر وتضحية حمزة بن عبد المطلب، وصرخات بلال الثابتة المتعالية في الآفاق: أحد أحد، تلك الصرخات التي زلزلت عروش الكفر، وهزت سلطانه الزائف.
ولولا تضحيات معركة الصنبرة واستشهاد القائد مودود لما كانت حطين، ولما ظهر جيل صلاح الدين، نعم إنها سنة كونية تنادي أصحاب الحقوق: أي يا كرام لن يستعاد حقكم إلا بالبذل والإقدام، وأن العزة في ثبات الرجال وتضحياتهم الجسام.
الروس ضربوا مثلا عالميا في التضحية من أجل البقاء، فقدموا عشرين مليونا في سبيل صد القوات الألمانية، واليوم فلسطين تتقدم لتعطي التاريخ درسا مجيدا في استعادة الحقوق بالتضحية والإقدام، فها هي الدماء نهر جار يسقي الأرض حرية وكرامة، وها هي همم الرجال تهز الجبال ثباتا وإقدامًا.
لن تكون العاقبة إلا كما قال الله: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا.
تصنيفات : قضايا و مقالات