بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الرباط في بيت المقدس
د. أنس المصري
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]
الحمد لله الذي أكرم عباده المؤمنين بفضيلة الرباط وقرَنَها بالصبر والمصابرة، وتوجه أمره الرباني جل وعلا بالتقوى {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فكانت هذه الفضائل الأربعة بما تمثله من معانٍ ومبادئ أركاناً لازمة لكل مؤمن مرابط؛ فكيف إذا كان هذا المرابط مقيماً في أرض الرباط وثغرها الأجلى (بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)!
فقد اختص الله جل وعلا بيت المقدس وما حوله بفضيلة الرباط، وجعلها مَقاماً للطائفة المنصورة فعن أبي أمامة الباهلي قال: قالﷺ (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ). قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) رواه أحمد.
بل إن أحاديث المصطفى ﷺ بيّنت عظيم أجر الرباط وثوابه، فغدا الرباط من أعظم الفضائل، واختص المرابطين بأجر لا ينبغي لأحد غيرهم فعن شرحبيل بن السمط عن سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيرٌ مِنْ صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وَإنْ ماتَ فيهِ جَرَى عَلَيْهِ عمَلُهُ الَّذي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزقُهُ، وأمِنَ الفَتَّانَ) رواه مسلم، وقد نبه الإمام النووي رحمه الله لعظيم فضل المرابط فقال (وجريان عمله عليه بعد موته -أي المرابط- فضيلةٌ مختصةٌ به لا يشاركه فيها أحد)، كما قال الإمام الشهيد ابن النحاس الدمياطي عن الرباط في سبيل الله (وقد ورد في فضله أشياء عظيمة لا توجد في غيره من القربات).
ويتجلى هذا الرباط في واقع بيت المقدس وما حوله خاصة في هذه الأزمان، فعدو الله لا يَرقُب في مؤمنٍ إلّا ولا ذمة، وحرمات أهل هذه البلاد منتهكةٌ من أعدائهم، بل إن أرواحهم وأعمارهم معرضة للسلب والنهب في كل حين. ولعل هذا ما يفسر كل هذا الأجر العظيم والفضل الكبير الذي أعده الله للمرابطين والمجاهدين، كما أن هذا الرباط وغيره من القربات أحد أسباب توفيق الله للمجاهدين وتسديدهم فقد قال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما عليه أهل الثغور؛ فإن الحق معهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]
وأمام كل هذا الخير العميم والفضل العظيم للمرابط في سبيل الله، حريٌ بكل عاقل أن يتخِذَ لنفسه سهماً في الرباط، أو سهماً في نصرة المرابطين وإعانتهم، أو في الذَّب عنهم والتصدي لمن يقع فيهم أو في أعراضهم، وهنيئاً ثم هنيئاً لمن جهز غازياً أو مرابطاً، أو خّلَف غازياً ومرابطاً في أهله بخير فقد قال ﷺ (مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا) رواه البخاري.
والحمد لله رب العالمين
تصنيفات : قضايا و مقالات