مهمة الإعداد وأجرها العظيم، ناصر الدين دودين
ديسمبر 2, 2023
للمشاركة :

الحمد لله الذي قدر فهدى والصلاة والسلام على رسولنا الأكرم، أشار نحو الغاية وأرشدنا للعبور وبعد:

فإن لله سنناً لا تتبدل وطرقاً لا تتغير، ودور المؤمن دائما في تلمس معالم الطريق، فإن التزم المنهج عزّ وعلا، وإن تقاعس وقعد ذلّ وانتكس، ومن عجيب هذه السنن أنها لا تنهض إلا بالجماعة فإنّ قوة الجماعة لعموم المسلمين، وكل ذلك ينزل تحت قوله (ما استطعتم)، وربما تقاعس من بيده الأمر وتخاذل، فإن هذا الشأن الجلل لا يمنع الجماعة من القيام بالمهمة، وإلا لما كانت عظمة الشأن وتمجيد التاريخ من حق الناصر صلاح الدين لمّا كان فرداّ بين قطيع من المتخاذلين.

كل من كتب في الأمر العظيم ارتبط بالسياق التاريخي، لذا ترى أنفاس العزة فيمن عاصر العزة، وأنفاس الكرب فيمن عاصر الخذلان. والقارئ يستشعر السياق في هذه السطور.

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ‌تُرْهِبُونَ ‌بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) الأنفال:60.

هذه الآية الكريمة معيار للتكليف الإلهي، فهي ابتداء معيار العطاء الذي يُبنى عليه التمايز ومن ثم معيار الإمكانيات والقدرات التي وإن أمر بها رب العالمين على شكل الإعداد إلا أنها ما كانت أبداً مناطاً للنصر والتمكين.

والإعداد كما عرفه صاحب كتاب معجم الفقهاء: (من أعدّ الشيء إذا هيئه وجهزه والإعداد للحرب: التجهز لها بالتدريب والتسليح والإيمان). وإن المعنى الشرعي للإعداد لا يخرج عن هذه المعاني، قال ابن العربي في أحكام القرآن: (أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد في تقدمة التقوى؛ فإن الله تعالى لو شاء لهزمهم بالكلام، والتفل في الوجوه، وحفنة من تراب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه أراد أن يبلي بعض الناس ببعض، بعلمه السابق وقضائه النافذ؛ فأمر بإعداد القوى والآلة في فنون الحرب التي تكون لنا عدة، وعليهم قوة، ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا).

وقال محمد رشيد رضا في تفسير المنار: (ومن قواعد الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن صنع المدافع بأنواعها والبنادق والدبابات والطيارات والمناطيد وإنشاء السفن الحربية بأنواعها، ومنها الغواصات التي تغوص في البحر، ويجب عليهم تعلم الفنون والصناعات التي يتوقف عليها).

وإن الإعداد المطلوب شرعاً لا يلزم منه التكافؤ مع العدو في العدد والعدة، وإلا لما حارب الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار في بدر وقد كان أقل عدةً وعدداً، وإنما المطلوب شرعاً بذل الوسع والجهد في الإعداد، والآية في ذلك نص على هذا المعنى، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم…..) لذا فالواجب الإعداد الذاتي عبر التناغم التام مع كتاب الله والإيمان القاطع بموعود الله تعالى، ومن ثم إعداد الجسم والعقل لتلك المهمة، وتجهيز العدة قدر المستطاع، ونقص العدة والعتاد لعدم القدرة تعوضه جميعاً قوة الله وذلك بأشكال كثيرة وما يعلم جنود ربك إلا هو، فالمؤمن له مدد والكافر مقطوع المدد. قال تعالى (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، ‌سَنُلْقِي ‌فِي ‌قُلُوبِ ‌الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آل عمران:150-151]

وإن الإعداد واجب شرعي وله أجر عظيم، يقول الله تعالى: (مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا ‌يَنالُونَ ‌مِنْ ‌عَدُوٍّ ‌نَيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التوبة: 120.

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الإعداد فقال: (من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه). رواه البخاري

قال ابن حجر في فتح الباري: (وهي آخِرُ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهمِّها، وكانت مليئة بالأحداث، فيها أخبار الموسرين الذين أنفقوا، والفقراء الذين عجزوا، وفيها أنباء المنافقين الذين فُضِحوا، وحكاية الثلاثة الذين خلفوا، فضلاً عن أخبار المسير والحصار والمشقة التي كانت فيها، والأحداث التي صاحبتها)

والحمد لله رب العالمين

تصنيفات :