الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلاله سبحانه، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فقد خلقنا الله تعالى لحِكَم كثيرة، ووظائف عظيمة، وقد أعلن سبحانه ذلك لملائكته الكرام البررة قبل خلق الإنسان، قال تعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”، ومعنى خليفة، “أَيْ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ مُدَبِّرًا يَعْمَلُ مَا نُرِيدُهُ فِي الْأَرْضِ” كما بين ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير.
وحتى يتمكن الإنسان صاحب الرسالة من تحقيق وظيفة الخلافة العظيمة في الأرض، زوده سبحانه بملَكَات وقدرات وصفات جبارة، في مقدمتها العقل والإرادة والحرية، وسخَّر سبحانه وتعالى له كل ما في السموات والأرض، وأنزل له منهجاً ربانيا يهديه سبُل الرشد في كل مناحي الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والسياسية، قال تعالى: “إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم“
لكن كل ما سبق من قدرات وتسخير ومنهج رباني إذا لم يُحسن الإنسان التعامل معه، والاستفادة منه، فلن يتمكن من تحقيق الغاية التي كُلِّف بها على أحسن وجه، ولن يتمكن من مواجهة التحديات التي تواجهه، وستضيع القدرات والملكات الجبارة التي زوده الله تعالى بها، أو تتجه في غير محلها.
من هنا يستطيع الإنسان العاقل أن يدرك أهمية الإعداد والاستعداد الفردي والجماعي في تمكين الإنسان من القيام بواجباته على أكمل وجه، إنْ على المستوى الفردي أو المجتمعي.
فعلى المستوى الفردي يأتي أهمية إعداد الإنسان نفسه إعدادا إيمانيا وتربويا واجتماعيا وأخلاقيا:
– بالإعداد العقدي بغرس عقيدة الإيمان بالله تعالى وصفاته العظمى في أعماق القلوب بالتدبر بآيات القرآن الكريم وقصصه العقدية الوافرة، فالإعداد العقدي أساس لكل أنواع الإعداد، ومنه يستمد المؤمن القوة والصبر والعزيمة والشجاعة والتحدي والإرادة، كما لاحظنا ذلك في الصمود العظيم لأهلنا في غزة في الحرب الهمجية الصهيونية الأخيرة عليهم.
– وبالإعداد العبادي بأداء فرائض الإسلام وعباداته، أداء حقيقيا جوهريا كما أرادها الله تعالى، وقد ربط الفلاح بالخشوع في أداء الصلاة وظهور ثمارها الأخلاقية على السلوك الإنساني، قال تعالى: “قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون”.
–وبالإعداد التربوي بالالتزام بتوجيهات الإسلام في بناء أسرة قوية متماسكة، وهنا لا بد من التركيز على الإعداد التربوي المتين للأب والأم والمعلم والداعية كل في موقعه ومجاله، فالمجال التربوي حجر الزاوية في بناء جيل قوي حر أبي، يتحرر من كل ألوان العبودية والذل لغير الله تعالى، وحُسن الإعداد في هذا المجال يكون من خلال المعرفة العميقة النظرية والعملية بكل ما يتعلق بهذا المجال، ومتابعة جهود المختصين بذلك مثل التربوي الملهم ماجد عرسان الكيلاني صاحب كتاب (هكذا ظهر جيل صلاح الدين).
أما على المستوى الاجتماعي فيجب على المسلم أيا كان مجاله تاجرا أم عاملا أم مهندسا أم مربيا أم داعية أن يعدِّ نفسه للتعاون مع أبناء مجتمعه على جميع قيم الحرية والخير والعدل، ومواجهة الآفات الخلقية والاجتماعية ومقاومتها التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، إذ لا شيء يفكك المجتمع مثل انتشار الفساد والسلبية والانحلال والمنكرات والظلم، قال تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.
نعم لا بد أن يكون شعار المجتمع بجميع أفراده ومكوناته قوله تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخير ترهبون به عدو الله وآخرون”
فالإعداد والاستعداد الفردي والجماعي، في كل المجالات، وبجميع المستويات، هو الطريق الأمثل لمواجهة جميع التحديات الداخلية والخارجية، وهو طريق القوة والحرية لشعب يقع تحت احتلال صهيوني همجي لا يعرف إنسانية ولا رحمة.
وفي الختام وحتى لا يكون كلامنا عن إعداد الإنسان نفسه ومجتمعه للتعاون على كل خير، ومواجهة كل التحديات لا بد من الإشارة إلى أن الإعداد لا يمكن أن يكون فعَّالا دون الإعداد للإعداد أي إتقان مهارة التخطيط للإعداد الشخصي والمؤسسي، وإلا ستكون الجهود في ذلك مبعثرة، ومتناثرة، ومن هنا وجب الإعداد للإعداد لمن يريد تغيير الواقع والنهوض به بدراسة علم التخطيط بكل مستوياته، وبالإمكان الاستفادة في ذلك من الجهود المقدرة للدكتور طارق سويدان.
والله نسأل أن يوفقنا لحسن الإعداد لكل ما في خير لأمتنا ووطننا،
فمن استعد فقد استمد العون والتوفيق من الله تعالى.
تصنيفات : قضايا و مقالات