الإنفاق في سبيل الله … الفضل والحكم
د. أمجد الأشقر
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن من فضل الله على عباده المسلمين أن منحهم أسباباً كثيرة للتقرب له، تساهم في زيادة حسناتهم، وتوفر لهم أسباب دخول الجنة في الأخرة، وتمنحهم في الوقت نفسه الجزاء في الدنيا، ممثلاً في الزيادة في الرزق والمباركة فيه، فقدم لهم سبحانه ما يؤدي إلى مرضاته، ومن أهم الأمور التي شرعها الله للمسلمين وأمرهم به أن يفعلوا الخيرات وينفقوا مما جعلهم مستخلفين فيه تزكية لنفوسهم، وتطهيراً لأخلاقهم، وتنمية لأموالهم، فقال تعالى: (… وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77»، وقال: (… وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ…)، «سورة الحديد: الآية 7».
ووعد سبحانه وتعالى فاعلي الخير بتوفية أعمالهم، ومضاعفتها لهم أضعافاً كثيرة في وقت هم أحوج ما يكونون إلى ذلك، فقال تعالى: (… وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، [البقرة:272]، وقال: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً…)، [البقرة:24]. والإنفاق في سبيل الله يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة النافلة، والإيثار والمواساة للإخوان، وتفقد أحوال المسلمين في أوقات الضيق والعسرة والفقر، وينبغي على المزكي والمتصدق مراعاة ما يلي:
- إصلاح النية: فينبغي للمتصدق أن يصلح نيته، فيقصد بالصدقة وجه الله عز وجل، فإنه إن لم يقصد وجه الله، وقدمها رياء وسمعة لم تقبل منه، وعوقب على ذلك أيضا.
- تخير الحلال: فعن ابن عمر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صدقة من غلول) صحيح مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس! إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً) صحيح مسلم.
- تخير الأجود: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكن من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) [البقرة: 267].
- تقديم الأقرباء: فمن الآداب أن يقدم المتصدق ذوي الحاجة من أقربائه وذوي رحمه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الألباني
- تحري أهل الدين: وعلى المتصدق أن يتحرى بصدقته أهل الدين الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله، ولا ينفقونها في معصيته فيكون معاونا لهم على المعصية والإثم.
- إسرار الصدقة: وعلى المتصدق أن يسر صدقته ما استطاع، إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، فقد قال الله سبحانه: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) [البقرة:271]. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: (ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه.
- إخراج ما سهل وإن قل: ومن الآداب أن يخرج المعطي ما سهل وإن قل، ولا يرد سائلا ولو بأيسر شيء فعن جابر رضي الله عنه قال:( ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط. فقال: لا) متفق عليه. وأتى سائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجبن النسوة فقالت:( إن فيها ذرا كثيرا). تتأول قوله تعالى ك (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) [الزلزلة: 7]
- ولا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إذا حال الحول لأنها حق للفقير، ويجوز تقديمها على الحول.
- على المتصدق أن يتلطف مع الفقير وهو يعطيه، ولا يبطل صدقته بالمن والأذى قال تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) [البقرة: 263] وقال سبحانه: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: 262
- على المسلم أن يعود نفسه الصدقة والعطاء والإيثار ولو كان فقيرا قليل ذات اليد، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة فقال: (جهد المقل) رواه أحمد والنسائي وأبو داود أي صدقه الفقير.
وأذكر -نفسي وإخواني- بقوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ) [محمد: 38}.
أخي في الله: لا تحرم نفسك من هذا الأجر الذي سمعته، والذي تكون أحوج ما تكون إليه عند لقاء فاطر الأرض والسماوات، قال الحسن البصري -رحمه الله-: “إن يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال، ثم يموت ويدعه لغيره، فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر، فيجد ماله في ميزان غيره”.
ومن بخل عن الإنفاق في سبيل الله، فإنما يمنع عن نفسه الأجر والثواب ببخله، وإذا بخل المسلمون بالإنفاق في سبيل الله تغلب العدو عليهم، وقهرهم أهل الباطل، وذهب عزهم وأموالهم وربما أنفسهم. أما عقوبة التولي عن الإيمان والتقوى وترك الإنفاق في سبيل الله فهي: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].
نسأل الله أن يجعلنا من المنفقين في سبيله في اليسر والعسر وفي السراء والضراء، ونسأله -سبحانه- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يعلي دينه وشريعته وسُنة نبيه، آمين.
والحمد لله رب العالمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات