وجوه الإنفاق في سبيل الله، د.سليمان القرم
فبراير 17, 2024
للمشاركة :

وجوه الإنفاق في سبيل الله

د. سليمان القرم

معلم في وزارة التربية والتعليم

 قدم القرآن الكريم نموذجين من الناس في علاقتهم بالمال الذي جعلهم الله مستخلفين فيه، نموذج قدم أمر الله على هوى نفسه، فهم (يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)، وآخر استهواه حب المال حتى أنساهم أمر الله، فهم (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فالمال بين نعمة و نقمة، والفاصل بين الاعتبارين هو نظرة الإنسان إلى ماله، هل هو وسيلة إلى طاعة الله أم هو غاية لإرضاء شهوه التملك.

 وحري بالمؤمن أن ينقاد لأمر الله، حتى لو كان الأمر بترك ما يحب (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، فقيمة المال بقدر نفعه، وحبسه عن الإنفاق في سبيل الله سيكون حسرة وندامة (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ)، والمنفق يُنفق عليه كما قال النبي – عليه السلام – قال الله تعالى: (أنفق ينفق عليك) والممسك يضيق عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: (تصدَّقي، ولا تُوعِي فيُوعِي [الله] عليك)، وفرق بين من يسخر نفسه للمال ومن يسخر المال لنفسه؛ فقد قيل: أنت للمال إذا أمسكته.. فإذا أنفقته فالمال لك. والإنفاق واجب وتطوع، ومن الواجب الإنفاق في سبيل الله والإنفاق على ذوي الحاجة، وأما ما كان في سبيل الله فيطلق على كل ما فيه نصرة لدين الله ونشره، ويراد منه الجهاد خاصة، والجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال ويكون بهما معا، ولأهمية الجهاد بالمال قدم الله ذكره على جهاد النفس إلا في موطن واحد، وتظهر أهميته في قوله تعالى:(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فمن فاته الجهاد بنفسه فلا يفوته بماله، لأن ” من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازياً في أهله بخير فقد غزا”، وهذا عثمان رضي الله عنه ينفق من ماله لتجهيز جيش المسلمين ؛ فيقول النبي – عليه السلام-: “ما ضَرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم” وكما ينفق من المال لتحقيق مطلب الإعداد للجهاد؛ ينفق على المجاهدين وعيالهم، وينفق على فكاك الأسرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أطْعِمُوا الجائع، وعُودُوا المريض، وَفُكُّوا العَانِيَ” أي الأسير. وأما ذوو الحاجة من الفقراء والمساكين ومن هم في حكمهم في حاجتهم للمال، فقد أوجب الله تعالى النفقة لهم لسد حاجاتهم، وقد وجدت أسباب الإنفاق مجتمعة بأحوال أهل غزة الكرامة وعموم فلسطين المباركة، فمنهم من فقد المأوى، ومنهم من فقد المأكل، ومنهم اليتيم ومنهم الجريح والمريض، وهناك المساجد المهدمة والمدراس المدمرة والمشافي الخارجة عن الخدمة، فهؤلاء تجب إغاثتهم، وحتى صدقة التطوع، لا يمكن لمسلم أن يتركها إذا علم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان معه فضلُ ظهر فلْيَعدُ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليَعُد به على من لا زاد له، وذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضل “.

 فمن أنفق فلنفسه (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) ومن بخل فعليها (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) وتذكر أنك لن تستطيع أخذ مالك معك إلى القبر، لكن باستطاعتك أن تجعله يسبقك.

تصنيفات :