وقفة مع قوله صلى الله عليه وسلم:” فابعثوا بزيت يسرج في قناديله“
الداعية إسراء دبيغ
ناشطة دعوية – دكتوراه في الفقه وأصوله
بسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد جعل الله تعالى للمسجد الأقصى مكانة ثابتة ومميزة في قلوب المسلمين تنبع من صميم عقيدتهم، فهو مقر العبادة، ومهبط الوحي والملائكة، ومنتهى رحلة الإسراء، ومنطلق رحلة المعراج، تلك الرحلة السماوية والمعجزة الخالدة، التي كانت بمنزلة تكريم إلهي، وبلسم شاف لجراح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعدما اشتدت به الأحزان حتى بلغت ذروتها في العام العاشر للبعثة، وقد سجل القرآن الكريم هذا الحدث الإسلامي الكبير في صدر سورة الإسراء بآية تتلى في اليوم والليلة، مذكرة المسلمين بمسؤوليتهم تجاه المسجد الأقصى، فقال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، والمراد (بالبركة) البركة الحسية والمعنوية، فأما الحسية فهي ما أنعم الله على تلك الديار من خيرات كزروع وثمار وأشجار، وأما المعنوية فهي ما اشتملت عليها من جوانب روحية ودينية، تبعث في نفوس المسلمين الاعتزاز بدينهم والتمسك بحقوقهم.
إن من دقائق التعبير القرآني في هذه الآية الكريمة، أنها ذكرت المسجد الأقصى متجاوزة إلى ما حوله، فلم يقل الله تعالى باركناه أو باركنا فيه، وإنما قال: (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، مما يدل على أن ما حوله من ديار، لها حكم المسجد الأقصى، ويجب على المسلمين الحفاظ عليها، ودعم أهلها ومواساتهم ونصرتهم.
أما الأحاديث النبوية في فضائل المسجد الأقصى فهي كثيرة ومتعددة ومنها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدٍ : المسجدُ الحرامُ ، و مسجدي هذا ، والمسجدُ الأقصى” وفي ذلك حث على الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والاعتكاف في رحابه، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومع اشتداد الحصار على المسجد الأقصى وتكرر الاعتداءات عليه، من خلال ممارسات مختلفة تهدف إلى طمس هويته، وتغيير وضعه الديني والتاريخي، قد يصعب على جماهير الأمة الإسلامية الوصول إليه، وتظل ثابتة صامدة تسأل عن واجبها تجاه أقصاها ومسرى رسولها.
ورأفة بالقلوب المشتاقة التي تتوق إلى دعم المسجد الأقصى المبارك، والحفاظ عليه، ومساندة أهله وشد أزرهم، أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البديل عن الوصول بقوله للصحابية الجليلة ميمونة -رضي الله عنها- عندما قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه فلم يأتيه؟ قال: “فليهد إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه”، فكان التوجيه النبوي أن يهدى المسجد الأقصى ولو زيتا يسرج في قناديله، ومن المعلوم أن للهدية عظيم الأثر في إثبات المودة، وتعميق المحبة، وبذلك يزداد ارتباط المسلم بالبيت المقدس، ويعزز مكانه على عرش قلبه، كما ويؤدي واجبه بالحفاظ على أعراضه ومقدساته التي جعلها الله تعالى أمانة في عنقه، وبدعم المرابطين والقادرين على الوصول ومساندتهم وتمكينهم، فضلا عن الأجور العظيمة التي يحظى بها، فإن كانت النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف ما شاء، فما بال المسلم إذا كانت هذه النفقات لأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالجهاد بالمال لا يقل أهمية عن الجهاد بالنفس، ولذلك فإن الجهاد في القرآن الكريم ما ذُكر إلا وقُرن بالمال والنفس، يقول الله تبارك وتعالى:﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
أما الدعم المعنوي فيقع على عاتق كل محب للمسجد الأقصى ورد دعاء يومي لا يتخلى عنه، كما أن عليه أن يَعْرف عن المسجد الأقصى وأحواله وأوضاعه، وأن يربي أبناءه وأهل بيته على محبة المسجد الأقصى، وغيرها من الأمور المعنوية في سبيل نصرة المسجد الأقصى والحفاظ عليه.
وأخيرا نقول: مهما اشتدت المحنة وطال أمد الصراع، فإن الله ناصر المؤمنين ولن يخلف وعده.
تصنيفات : قضايا و مقالات