سبق عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بالصّدقات.
- جيهان الزير/ محاضرة جامعية
في الحقيقة قد يتساءل المرء منا عن السّر وراء امتلاك الصّحابي الجليل عثمان بن عفان- رضي الله عنه- هذه السّيرة الطيبة في السّبق بالصدقات، فلكون الإنسان مجبولا على حب التملك والإثرة، فإنّ الإنفاق بالطريقة التي كان يفعلها عثمان إن دلّت على شيء فإنما تدل على روحانية عالية ونفس سامية سامقة في سماء العطاء، دون تفكير بعواقب الإنفاق كما يفعل باقي البشر.
فقد كان هذا الصّحابي الجليل- بما امتلك من صفات شخصية وهبات ربانية- يمثل قوة اقتصادية تنوء بحملها الدول أحياناً، وقد وفر ذلك لمجتمعه المسلم عدة أنواع من الأمن:
- الأمن العسكري، فسبقه العظيم بتمويل جيش العسرة، وأثر ذلك على الاستقرار السياسي للدولة الإسلامية الناشئة، وخصوصاً في وقت وصف بالعسير، وطبيعي أن يفكّر الإنسان في تأمين الأولويات من شؤون الحياة المختلة، ولكن بالنسبة لعثمان لا أولوية قبل الفوز بالجنة!
- الأمن المائي، فمن سخاء عثمان أنّه أغاث المسلمين، وذلك بشراء بئر رومة وجعلها صدقة لهم لكفايتهم حاجتهم للماء، حتى لا يكون لليهود يد ولا طول على قرار المسلمين.
- الأمن الديني والأمان من الفتن، وذلك بتعيين الفقهاء والإنفاق عليهم لمرافقة الجيش أثناء الحروب حتى يحفظ للمسلمين دينهم، وقيامه بشراء الأرض حول المسجد النبوي، وتوسيعه عندما ضاق بالمصلين.
- الأمن الاجتماعي، وذلك من وجوه كثيرة، فشخصية سيدنا عثمان القيادية المبادرة جعلته يعد نفسه مسؤولاً مباشرة عن كل شؤون المسلمين، فلم يقتصر إنفاقه على الأمور العظيمة، بل تعدّتها إلى ما فيه خير مما يدخل السعادة إلى قلوب المسلمين ويرقى بأخلاقهم، ومن ذلك تنازله عن دينه لطلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- المقدّر بخمسين ألف درهم؛ معونةً له على مروءته لأنه أراد السداد. فهو يمثل بحق شخصية المصلح الاجتماعي والمربي الذي يرى أنه مسؤول عمن حوله.
وهو – رضي الله عنه- بالإضافة إلى سخائه، فإنّه يملك منطقاً عظيماً سهل به أمور الزكاة، فقد سن قواعد عظيمة حينما قال: “هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دينٌ فليؤدِّه حتَّى تخرجوا زكاة أموالكم، ومن لم تكن عنده لم تطلب منه؛ حتى يأتي بها تطوّعاً، ومن أُخذ منه حتى يأتي هذا الشّهر من قابل” وبناء على هذا القول يمكن استنتاج القواعد الآتية:
1. مبدأ سنوية الزَّكاة ؛ إذ يشترط لأداء الزَّكاة ما عدا زكاة الزُّروع حولان الحول.
2. مطابقة السَّنة الماليّة الإسلاميّة للسَّنة الهجريّة.
3. دعوة النَّاس إلى حساب وعاء الزّكاة، فيطلب منهم أداء ما عليهم من ديون حتى تؤخذ الزَّكاة على الباقي، ولعلَّ عثمان أراد أن يستحث الناس على أداء ما عليهم من ديونٍ وفاءً منهم للدَّائنين، وتسهيلاً لحساب المال الخاضع للزّكاة، وحتى يقطع بجدِّية الدَّين، وعدم تطرق الصّوريّة إليه.
4. الدعوة إلى التَّطوُّع ، فقد يرى بعض المسلمين: أنَّه لا يستحقُّ عليهم زكاةٌ ومع ذلك يرون التّطوّع بأداء صدقاتٍ من أموالهم، يؤدُّونها لبيت المال، فيقبلها منهم ويضمُّها إلى موارد الزَّكاة، وتصرف الدَّولة منها على نفس مصارف الزكاة.
ويبقى سيدنا عثمان بن عفان- رضي الله عنه- الصّحابي الجليل ذو النّورين، المبادر بالأعمال الجليلة، قائم الليل بالقرآن كله في ركعة واحدة، مشعل النّور الذي مثّلت أعماله سبقاً إيمانياً وتاريخياً يتأسى بها المسلمون إلى يوم الدين.
تصنيفات : قضايا و مقالات