الصور المعاصرة للإنفاق في سبيل الله، د. محمد العيسة
فبراير 17, 2024
للمشاركة :

الصور المعاصرة للإنفاق في سبيل الله

د. محمد يوسف العيسة//  كلية العلوم والدراسات الإسلامية / قلقيلية

الحمد لله ذي الطول والإنعام، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وأتباعه الكرام وبعد؛

فالإنفاق في سبيل الله طريقٌ لمرضاته وتجارة رابحة وبضاعة غير مزجاة قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) [فاطر:٢٩]، بل جعل الله عليها الأجر العظيم وضرب بها المثل فقال سبحانه: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة: ٢٦١  ، والإنفاق في سبيل الله تعالى يشمل الزكاة المفروضة معروفة المصارف موصوفة الشخوص، والصدقة النافلة التي لها من السهام الكثير ليس فقط ما يتعارفه الناس من بناء المساجد وحفر الآبار وتوريث المصاحف ومن أدلة ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينَما نحنُ في سفرٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ جاء رجُلٌ على راحلتِه قال: فجعَل يضرِبُ يمينًا وشِمالًا فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له ) فذكَر مِن أصنافِ المالِ ما ذكَر حتَّى رأَيْنا أنْ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضلٍ . رواه مسلم، رقم/ 1728   فتعداد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصناف كثيرة من المال يدل على عدم حصر الإنفاق فيما ورد بل تتغير الطرق والمصارف بتغير حياة الناس وسأبني كلامي على أثافي ثلاثة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) “السلسلة الصحيحة” (رقم/2318)

 ومن الصور المعاصرة ما يلي:

أولا: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ)

  1.  كفاية أهل الرباط و الجهاد مؤونة فعلهم الجبار من وجوب سد فاقتهم وإمدادهم بما يلزم لتعزيز صمودهم للدفاع عن مقدسات الأمة، وذلك بإمدادهم بالمال والعتاد والمعلومات والخبرات الاستراتيجية لعونهم على ثباتهم.
  2. كفالة أسر الشهداء والجرحى والأسرى الذين لم يبخلوا بأنفسهم ذوداً عن حياض الأمة وحمايةً لثغرها الأول والأولى بيت المقدس وأكنافه.
  3. توجيه الإنفاق لصناعة إعلام إسلامي قادر على الدفاع عن قضايا الأمة، ودفع الشبهات المحيطة بديننا وأمتنا وخاصة في قضية فلسطين، فالعالم اليوم ينفق الملايين لترويج سردية الباطل فنحن أولى بالإنفاق على الحق.
  4. الدعوة إلى الله وتبليغ دينه بإنشاء المواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية التي تساهم في نشر الإسلام وجدال غير المسلمين بالتي هي أحسن بطرقٍ يألفونها ويسهل عليهم الوصول إليها فالمصاحف والتفاسير وكتب العقائد المترجمة لها الأثر الكبير في تبليغ دعوة الإسلام الخالدة.
  5. والأمن لا بد أن يكون عن علم فلذلك من صور الإنفاق المعاصرة بناء المؤسسات التعليمية والإنفاق على طلبة العلم النجباء أصحاب التخصصات التي تحتاجها الأمة لحفظ أمنها وكذلك الإنفاق على البحث العلمي في مجالات شتى الصحية والبيئية ومستجدات النوازل الفقهية.

ثانياً: ( مُعَافًى فِي جَسَدِهِ )

ومعافاة البدن تحتاج إلى نفقة قد تصل إلى الآلاف وأعني هنا الأجهزة الطبية باهظة الثمن التي يتم تزويد المشافي بها مثل أجهزة التصوير الطبقي والمغناطيسي وأجهزة غسيل الكلى وحتى الكرسي المتحرك وسرير المريض، كل ذلك يحتاج إلى أموال طائلة وهي صدقة جارية لصاحبها سواء بالتبرع بثمنها كاملاً أو بجزءٍ منه، ولما في ذلك من إحياء النفس البشرية قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة: ٣٢ ، وهنا على الأمة استنهاض مقدراتها لتمويل المشافي المهدمة والعمل على إعمارها وتجهيزها بما يلزم تثبيتاً لأهل الرباط على أرضهم.

ثالثاً: (عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ)

الأمن الغذائي من مقومات الحضارة وهو معضلة عند كثير من المجتمعات وخاصة في وقت الحروب كالظرف الاقتصادي الصعب الذي نحياه على أرض فلسطين ونبينا صلى الله عليه وسلم مدح الأشعريين لتجمعهم على الطعام لكي لا يبقى منهم جائع وطلب من صحابته الكرام رضي الله عنهم في الحديث أعلاه (ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له ) فكيف بشعبٍ محاصر لسنوات وهو على أبواب المجاعة فحق على الأمة أن يُسيروا الجسور الجوية والقوافل مُحملةً بأصناف الطعام والشراب للوصول للأمن الغذائي لكل مسلم ولأهل فلسطين في ظرفهم الحالي على وجه الخصوص.

تصنيفات :