الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه، وصلاة ربي وسلامه على محمد الرسول الشاهد المبشر النذير،
صلى عليك الله يا علم الورى أعداد حبّات الرمال وأكثرا.
وبعد، فإن الصبر زاد المؤمن في مواجهة المحنة، والابتلاء، وإن لم يكن قرينا لهما فحسب، فهو قرين العبادة، والطاعة أيضا، والصبر خلق الأنبياء، وحلية الأولياء، لا يزيد صاحبه إلا عزّا، يقف البلاء على باب الصابرين عاجزا مهيض الجناح، فلا يفت لهم عزيمة، ولا ينقص لهم همّة، كلما اشتد قويت به شكيمتهم، وقوي به إيمانهم.
والصبر خلق ليس كلّ من يدّعيه أدركه، فلا يثبته إلا الواقع، لا يتحقق بالأماني، ولا ينفع فيه التغني، مبتدؤه الطاعة، فهو التزام أمر الآمر تبارك وتعالى، وعون المؤمن للمؤمن مواساة ومؤازرة، ونصحا، فالصبر يدرك بالتزام الأمر، ويثبت ويشتد بالمصابرة، والتصبر: قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا”، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “ومن يتصبّر يصبره الله” نتمرس عليه بالطاعات فرائض ونوافل، وباعتياد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعلى: ” يا بني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك” وهو عزيمة لا يناسبها الرخصة، قال تعالى: “ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور” ، ولا يسقط الصبر بالمشقة والحرج، فإن سقط بالمشقة لم يعد يستحق أن يسمى صبرا، وما عاد يناسبه أجر الصابرين، فقد نصح الحبيب صلى الله عليه وسلم من جاءته تشكو الصرع، وتسأله أن يدعو الله تعالى ليذهبه عنها :” إن شئت صبرت، ولك الجنة” من حظي بهذا الخلق العظيم، فعون من رب العالمين “واصبر وما صبرك إلا بالله” ويا سعد من نال عطيّة من أرحم الراحمين، فقد قال الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم- :”وما أعطي أحد عطاء خيرا من الصبر” وهو من جوالب محبة الله تعالى، ومعيته، قال تعالى: “إن الله مع الصابرين”.
والصبر والفرج صنوان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا كان الصبر على البلاء، فاعلم أن البلاء بعين ذاته فرج، وما ذلك ابتداع في القول بل هو فقه سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم : ” ما يزال البلاء بالمؤمن، والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” نعم إنه فرج، وهل من فرج أعظم من أن تخرج طاهرا من خطاياك، فتلقى الله تعالى، وهو عنك راض.
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ” وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”.
ومن ملامح الفرج المقترن بالصبر الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم، وتدبيرهم، قال تعال: “وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط”.
وبالصبر ينفرج البلاء بنصر، قال تعالى: ” ولقد كذبت رسل من قبلك، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين”.
ويتحقق ميراث الصالحين للأرض، فقد جاء على لسان موسى عليه السلام، وهو يأمر قومه بالاستعانة بالله والصبر بعض ما أصابهم من ضجر، وقهر من أذى فرعون وجنوده، قوله تعالى: “استعينوا بالله، واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين”.
ومع كل ما عرضت له الآيات، والأحاديث في فقه الصبر والفرج، إلا أن المؤمن قد يغفل عن حكمة الله في تأخير الفرج، ومن تدبّر مطلع سورة الروم لا بد أن ينغرس اليقين في قلبه بمجموعة من الحقائق، على رأسها ” لله الأمر من قبل ومن بعد” ولا بد أن يعلم أن الفرح بعد الشدة والبلاء له طعم آخر “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله” وأن النصر من الله منّة ورحمة لا يخرج عن حدود مشيئته تبارك وتعالى “ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم” وأن ذلك كله وعد من الله تعالى، ووعد الله تعالى لا بد كائن : ” وعد الله لا يخلف الله وعده” وأن إدراكنا كبشر لحكمة الله تعالى غائب في كثير من الأحيان، ويخرج عن دائرة علمنا “ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وأن ما يعلمه الناس هو ذلك الشيء الظاهر للعيان، فهم يرون المحنة، والابتلاء ألوانا، ويرون القتل، والهدم، والتدمير، والتجويع، والتشريد، وغير ذلك كثير، ولكن ذلك كله يدور في فلك “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا” والسر في ذلك أن الإنسان يستعجل الثمرة في الدنيا، وهو عن ثمرة أعظم منها بكثير غافل ساه “وهم عن الآخرة هم غافلون”.
فيا سعد الصابرين، بالأجر، والنصر، والتمكين، والفوز بما عند الله تعالى، فما عند الله خير وأبقى.
أجره لم نُحَطْ به خبرا بل جعله الله تعالى عنده ذخرا، فلم يحدّد له جزاء بل جعل الجزاء مفتوحا لا يخضع لحسابات البشر، قال تعالى :”إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” وما أجمل أن ينادى الصابرون في الجنة نداء خاصا بتحية السلام، قال تعالى “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار”
تصنيفات : قضايا و مقالات