فاصبر إن وعد الله حق.. منهاج الصابرين، أ. نضال درباس القالوني
مايو 31, 2024
للمشاركة :

الحمد لله الصبور الشكور الذي تعبّدنا بالحق ودعانا إليه، ولم يدعنا إلى ما يعجز الأفهام ويعيي العقول، وخلق الإنسان في كبد وجعل الدنيا دار اختبار وحضّنا إزاءه بالعزيمة والاصطبار، وشاءت حكمته سبحانه أن يجعل دار الدنيا دار تمحيص وتمييز وتجليه لخبايا معادن النّفوس، فقال سبحانه وتعالى : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} [الملك:1].

وقد جعل سبحانه البشرى بالحقّانيّة محفّزا لمن صبر على العزيمة والرشاد، وجعل الإنذار بالبطلان ردعا لأصحاب الضلال والإلحاد، وقد جعل الله سبيل الصبر الأمثل هو العلم بحقيقة صدق الوعد لمتبع الحق والرشاد، فقال سبحانه : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[ الروم: 60]، فإنّ أكبر مثبّت للمؤمن ومصبر إيّاه بإزاء أهوال هذه الدنيا وكيد الطواغيت، هو كمال علمه وتمام يقينه بعدالة قضيّته وحقانيّة دعوته، لذلك كانت أسّ دعوة الأنبياء هو طمأنة الأتباع بكونهم متبعين للحق، فالذي يوقن بحقيقة ما يدعو إليه لهو أقدر على الصبر من متوهم متردد لا يعدو إيمانه مقالة يرددها وأحوالا يدعيها، فأساس صبر المؤمنين إذن هو :

 أولا:   العلم بحقيقة صدق ما يصبر المؤمن من أجله وهذا يقتضي من المؤمن استحضار أدلّة صدق النبيّ صلى الله عليه وسلّم إجمالا أو تفصيلا، وهي أدلّة كثيرة عظيمة مصبّرة لمن يتذكرها على أهوال ما يقاسيه المؤمن في أحوال هذه الدنيا من بلايا وفتن، فمن هذه الأدلّة إجمالا :

1-  شمائل النبي صلى الله عليه وسلّم، فالذي ينظر في سجل أخلاق وسجاياه قبل بعثته يجده سجلّا حافلا بالموثوقية والمصداقية حتّى سمّاه قومه بالصادق الأمين ومن هنا استنبط هرقل صدق النّبي وهمّ باتبّاعه لولا معارضة ملأه فقال : ” لقد كنت أعلم أن لم يكن ليصدق النّاس أربعين سنة ثم يكذب بعدها على الله ” !

2-  قصة بدئ الوحي، فإنّ من دلائل صدق النّبي هو أنّه لم يتلق الوحي باستشراف وفرح بل تلقّاه بمفاجئة وخوف على عقله ووجل وسأل ورقة ابن نوفل عن ما كان معه فكان ذلك دليلا على صدقه وأنّه لم يكن حريصا عليها.

3- حوادث فتور الوحي وتأخره، فإنّ الوحي قد توقف بعدها فترة روي أنّها بلغت ثلاث سنوات، كما وتكررت حوادث تأخر الوحي كما في حادثة الإفك وحادثة سورة الكهف حيث كان حريصا على الإجابة السريعة مع ذلك لم يتكلّم إلا بعد ورود الوحي، وهو دليل دامغ على أنّ الوحي ليس حديث نفس متخيّل للنبي صلى الله عليه وسلم.

4- المعجزات المادية والمعنويّة، فإن للنبي معجزات عظمة ماديّة كانشقاق القمر ومعنويّة وهي معجزة القرآن وما فيه من إعجاز بلاغي وغيبي وتشريعي وعلمي.

5- النّظر في كتاب الكون المفتوح في الأنفس والآفاق، فإن الناظر في الآفاق يجد دلالة صدق ما أخبر به النبي، ومن أبرز هذه الأدلّة هو الاكتشافات الجيولوجية لطبقة العصر الكامبري التي أثبتت الظهور المفاجئ للمخلوقات قبل 530 مليون سنة، ونظريّات الأنتروبي والسنتروبي والديناميكا الحراريّة التي أثبتت مؤخرا نظريّة الخلق.

 ثانيا : فإن المصبر للمؤمن تاليا هو الوعود الصادقة بحسن العاقبة للمتقين في الدنيا أو في الاخرة، فمن استحضر أدلّة صدق النبي ثم سمع ما وعد به من أن العاقبة والنصر في الدنيا والآخرة للمتقين فإنه يكون عبدا صبورا واثقا بحقيقة وعد الله وأنه لا يخلف الميعاد، يقول ربنا سبحانه : { ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[ سورة غافر: 51]، جعلنا الله وإياكم من عباده الموقنين الصابرين.

تصنيفات :