عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” عجبا لأمر المؤمن: إن أمره
كلّه له خير، وليس ذك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” رواه الإمام مسلم.
يعتبر هذا الحديث الشريف أصلا من أصول الإيمان، الذي إن ملأ قلب الإنسان يفيض عليه من السعادة والطمأنينة والرضا كل حياة الإنسان وأحواله المتقلبة من يسر إلى عسر ومن صحة إلى مرض، ومن ضيق وشدة إلى فرح، فالإيمان إن وجد وجد كل خير، وإن افتقد خسر الإنسان كل ذلك الخير. إن الشكر والصبر خصلتان أو فضيلتان حث عليهما الإسلام ورغب فيهما، بل وأمر بهما في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم والحديث الشريف وفي ظلال هذا الحديث عدة إشارات منها:
- أظهر الرسول عليه الصلاة والسلام العجب من أمر المؤمن، والتعجب إنما يحصل للإنسان من عظم موقع الشيء وخفاء سببه عليه؛ فقد يكون الأمر في ظاهره سيئا وفي حقيقته عكس ذلك تماما، وقدم التعجب على وجه الاستحسان لشأن المؤمن.
- النعم على المؤمن وما أكثرها -سواء كانت دينية أم دنيوية- تستوجب شكر الله عليها، إذا إنها في أصلها من الله سبحانه، كما قال تعالى:” وما بكم من نعمة فمن الله”، والأهم من فرح المؤمن بالنعمة معرفة حق الله سبحانه عليها وهو الشكر للمنعم الذي هو سبب زيادتها، كما قال سبحانه:” وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد”.
- يظهر الحديث الشريف فضل وأهمية الصبر عند الضراء، إذ إن الضراء كذلك خير للمؤمن كما السراء إن صبر واحتسب وانتظر الفرج من الله سبحانه، وكل طاعة في الإسلام لها أجر محدد ومنصوص عليه إلا الصبر، فقد جعل الله سبحانه الأجر عليه مطلقا، كما قال تعالى:” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”.
- إن الشكر عند السراء والصبر عند الضراء كلاهما امتحان وابتلاء للمؤمن كما يقول سبحانه وتعالى:” ونبلوكم بالشر والخير فتنة”، وقد تكون الفتنة في الخير والسراء أشد منها في الشر والضراء، وكم من الناس من ينجح في ابتلاء الشر إلا أنه يفشل في امتحان الخير.
- يضمن الحديث الشريف الخير للمؤمن الصادق في كل أحواله إن التزم بالشكر والصبر في الحالين أو الابتلائين وصولا إلى الرضا التام بكل ما يجريه الله عليه، وفي هذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه:” إن المؤمن يتقلب بين مقام الشكر على النعماء، وبين مقام الصبر على البلاء”.
- إما غير المؤمن فنجده بخلاف ذلك تماما، فإذا أصابه خير أسنده إلى نفسه وانشغل بالنعمة والاستمتاع بها عن طاعة الله سبحانه فيلهو بالنعمة، وينسى أو يغفل عن المنعم، وفي حال الضراء فنرى التضجر والسخط يعمان ذلك الإنسان، وتضيق الدنيا به، بل وتتحول إلى نكد يلازم حياته ليلا ونهارا.
وختاما أسأل الله سبحانه أن يعمر الإيمان قلوبنا، حتى تصير حياتنا الدنيا -علاوة على الآخرة- سعادة وطمأنينة ورضا، وصولا إلى تمثل قوله تعالى:” فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى” صدق الله العظيم.
تصنيفات : قضايا و مقالات