“مواقف من صبر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والتبشير بالفرج القادم “، أ. ريم البرغوثي
مايو 31, 2024
للمشاركة :

ولنا في هدي النبوة في كل أمر عظة وعبرة وفي كل ميدان صولة وجولة، وفي هذه الجولة سنقف لنقوي أنفسنا على ما نحن فيه من بلاء، ونقتبس من مدرسة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – دروسا وعبرا من صبره على ما مر به من محن، فكان مدرسة للصابرين يستلهمون منه حلاوة الصبر والثبات وبرد اليقين ولذة الابتلاء في سبيل الله عز وجل.

نرى في الدرس الأول يسأله الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء فيقول المعلم الملهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: “الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه، فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئه” رواه الترمذي.

وكأنه عليه السلام يشير إلى أنه لابد للمؤمن من الرحلة يعالج بها ولن يعالج إلا إذا ابتلي، فهو بعد الابتلاء مكرم ومنقى من الذنوب، ولن ينقى إلا إذا صبر.

ولنبحر في رحلة سريعة نطوف من خلالها على مواقف حدثت مع خير البشر، وعلمنا فيها دروسا وعبرا وما إن نذكرها في موعظة لكل مكروب ومهموم حتى يقول الحمد لله على كل حال فقد شابه حالي حال خير البشر، عندما ابتلي فصبر، فكان الجزاء الأوفى برضا الرحمن وجنة عرضها السماوات والأرض، فإن بدأنا بأول دعوته عليه السلام فقد تعرض للأذى النفسي والجسدي، ولنتخيل المشهد عندما ألقى المشركون عليه سلى الجازور وهو ساجد يصلي في حجر الكعبة، وبقي ساجدا حتى جاءته فاطمة رضي الله عنها فأزالت عنه الأذى وهي تبكي، ورموه بالحجارة حتى سال الدم من وجهه الشريف، فصبر على الأذى ثم يبلغ الأذى قمته فيحاصر ثلاث سنوات في شعب أبي طالب هو ومن معه من الصحابة، فيصبر في سبيل دعوته ودينه.

لم يكن هذا الموقف فحسب بل تهجم عليه الأحزان المتوالية وهو محاصر، فيفقد زوجته خديجة الأحب على قلبه من كل البشر التي ناصرته في دعوته، ثم يفاجئ بوفاة عمه أبي طالب الذي كان خير مدافع عنه وعن دعوته، ويزداد حزنه عليه لأنه مات على الكفر، ثم يأتي البلاء الأكبر بأن يخرج من بلده مكة، أحب البلاد إلى قلبه مهاجرا بدينه ويتبعه الصحابه الكرام تاركين وراءهم الأولاد والزوجات والأموال، كل ذلك فداء لدين الله عز وجل والنصرة لنبيه الحبيب عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، وعند الهجرة يتبعهم ابتلاء الخوف فتبعهم عدد من الكفار، وكان هدفهم قتل النبي – صلى الله عليه وسلم -، كل هذا وأكثر قوبل بالصبر والطمأنينة من معلم البشرية عليه الصلاة والسلام، وليس أجمل من طمأنته لأبي بكر رضي الله عنه، عندما قال له: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ فيا لروعة اليقين والوثوق بالله رغم البلاء.

لم تنتهِ الرحلة بعد.. بل بدأت المعارك العلنية وما بدر وأحد والأحزاب وتبوك وغيرها، من الغزوات والمعارك إلا صفحات مشرقة ومضيئة تدل على صبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فقد لقي في هذه الغزوات الكثير من الأذى، ولم يزده ذلك إلا صبرا وثباتا وإصرارا على مواصلة درب الحق، ثم يدخل الابتلاء عليه في عقر بيته بشرفه وعرضه فتتهم أحب زوجاته إلى قلبه بالفاحشة، فيصبر ويحتسب حتى أتاه اليقين والبراءة من الله العلي الكبير.

 لقد سار على دربه الصحابة الكرام في الصبر والثبات واليقين بالله أنه ناصرهم ومعينهم؛ فنرى بلالاً مؤذن الحبيب يجلد، ثم يوثق رباطه على الرمل في حرارة الصيف، وتوضع الصخرة على صدره، وهو ثابت كالجبال صبرا واحتسابا لما عند الله عز وجل، ولا نغفل آل ياسر الذين تحملوا الأذى والعذاب، فما صدهم ذلك عن دينهم، ثم تأتيهم البشارة من الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، عندما قال: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنه.

ثم يصبرون على الجوع ويربط أحدهم الصخرة على بطنه وغيرها الكثير من صفحات الصبر والصمود، ولكن طبيعة البشر التي لا ينكرها أحد تحب أن يأتي الفرج بعد الشدة، فها هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على لسان خباب بن الأرت يقول : “شكونا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم )وهو متوسد برده في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا، فقال :كان الرجل في من كان قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيؤتى بمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون “رواه البخاري.

وهذا مما يسري عن النفس، ويذهب الهم أن عاقبة الصبر خير لكل مبتلى في الدنيا والآخرة، وأن جاز لنا المقارنة بين ثبات الصحابة وصبرهم على المحن، فأولى الناس به في هذا الزمان هم أهل فلسطين عامة، وأهل غزة منها خاصة، فها هم يفقدون الأولاد والأموال والمساكن، وقبل كل ذلك الأمان وما يصدهم ذلك عن دينهم، بل ويستحضرون في كل موقف أن هذا فداء لدين الله عز وجل، فمن أراد دروسا عملية في العقيدة الإسلامية في هذا الزمان فعليه بأهل غزة، وكأنهم تدربوا على الصبر، فكان الثبات بأبهى الصور تصديقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم” من يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر “متفق عليه.

ولا ننسى أن قدوتنا في الصبر هو شفيعنا في الجنة بإذن المولى عز وجل إن صبرنا واحتسبنا حتى يأتي وعد الله، ووعده حق.

جعلنا الله وإياكم من عباده الصابرين.

تصنيفات :