الحمد لله رب العالمين، حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم الذي بعثه ربنا هادياً ومبشراً وسراجاً منيراً، أما بعد؛
فإن الله تعالى أكرم عباده المؤمنين بنعمة الفرج، فهو لحظة ينتظرها المسلم يستشعر من خلاله لذة انقلاب التعب إلى استقرار، فالفرج لا يأتي إلا بعد شدّة وتعب يدفعه الإنسان من ماله أو صحته أو وقته أو ولده وغيره من متاع الدنيا، وإذا تأملنا كيفية مجيء الفرج فإننا نشاهد ذلك على أمثلة نراها بشكل يومي، مثل تقلب الليل والنهار، والنوم والاستيقاظ، والمرض والصحة، فلا الليل والمرض والنوم دائم، ولا النهار والصحة والاستيقاظ دائم، فتقلّب الأمور من سنن الله تعالى، فلو دام الليل لاختلّ نظام الحياة، وكذلك النوم والمرض وغيرها من مناحي الحياة، والمسلم الذي يثق بربه يعلم علم اليقين أن دوام الحال من المحال، لأن أمر الخلق بيد مالك الملك، ولا يسير شيء في الكون إلا بإذنه وتدبيره.
من أكثر الأمور التي تشغل بال المسلم هو تعاظم أمر الظالم وامتلاكه وسائل القوة التي تعينه على البطش، لكن لو تأملنا قول الله تعالى:(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) ورأينا ما يحدث في الظالمين على مر الزمان، لأدركنا يقيناً كيف ينزع الله الملك من البشر ويؤتيه لآخرين، ونعطي لذلك على سبيل المثال لا الحصر، حضارة الفراعنة التي مكثت ما يزيد عن 3000 سنة من القوة والمنعة والاقتصاد والتراث والصناعة والتجارة والعلوم وغيرها الكثير من متعلقات الحضارة، فلما زاغت عن أمر الله تعالى لم يبق منها إلا الرسومات والأبنية التي نرى معالمها إلى اليوم، بمعنى أن الله تعالى قد هيأ سبب اندثار تلك الحضارة ولم يبق منها إلا مساكنهم، فقد يكون ذلك بسبب تنافس بعض الأمراء على الملك، أو استغلال المناصب لمصالح شخصية وعدم إقامة العدل بين الناس، فهذا وغيره من الذنوب كفيل باستحقاق انتزاع الملك وإيتائه لآخرين.
فأيهما أقوى وأشد؛ حضارة عاشت آلاف السنين بقوة ومنعة، أم دولة لم تُعمّر مائة سنة؟
ولو خرجنا من دائرة الكرة الأرضية إلى الفضاء الفسيح لنستشعر قدرة الله تعالى على انتزاع الملك من البشر وإيتائه لآخرين، لرأينا صنعاً عظيماً من خالق لا يعجزه شيء من أمرنا، فمثلاً اكتشف علماء الفلك نجماً عظيماً في مجرة درب التبانة، فأرادوا تقريب صورة حجمه لأذهان الناس، فقالوا: لو جعلنا طائرة تسير بسرعة 900 كيلو في الساعة لتدور دورة واحدة حول هذا النجم، لاستغرق ذلك من الوقت 1100 سنة حتى تدور الطائرة دورة واحدة حول ذلك النجم.
في الحقيقة لو أننا تأملنا قدرة الله تعالى ورأينا عظيم صنعه ونعمه في خلقه، ثم بعد ذلك راودنا التفكير والإحباط متى يأتي الفرج، لكنا قد أسأنا الأدب مع رب العالمين، وهو القائل في كتابه:( فما ظنكم برب العالمين).
ومن فضائل نعم الفرج أننا نفوز به بعد الصبر والاحتساب لوجه الله تعالى، فلو حصلنا على الفرج دون تعب لما شعرنا بلذّته وقَدَره، ونضرب لذلك مثالاً، لو أهداك أحدُهم هدية ثمينة، فلا شك أنك ستفرح بها، ولو تلفت تلك الهدية لحزنت عليها، ولكن لو اشتريت ذلك الشيء من مالك وتعبك فإن فرحك به أشدّ وألذّ، وحرصك عليه سيكون أكثر لأنك بذلت جهداً كبيراً حتى نلت مرادك، ولو تلف لكان حزنك شديد.
وهذا مَثَل نعمة الفرج، فإذا أكرمنا الله تعالى بالفرج دون تعب وصبر فلن نشعر بقيمته ولذته، ولو أعطانا ربنا سبحانه الخلافة الإسلامية دون دم يُهراق وبيوت تُهدم وأجساد تُحبَس وأموال تُسرق وتُنهَب، لما حافظنا على الخلافة بقدر حفاظنا عليها بعد ضريبة عظيمة دفعَتْها الأمة من أرواحها ودمائها، حينها لو حاول أحدهم المساس بتلك الخلافة ليهدم شيئاً منها؛ فإن الأمة ستكون له بالمرصاد لأنها دفعت ثمناً عظيماً حتى حصلت على هذه الخلافة الموعودة.
أسأل الله العلي العظيم أن يكرمنا وإياكم بفرج قريب نراه بأم أعيننا ونرى الظلم وقد اندثر وزال انتفاشه.
والحمد لله رب العالمين
تصنيفات : قضايا و مقالات