هناك كلمات تعرف مصادرها، وأفعالها، فتمضي معك لينة سهلة. وهناك كلمات لا تدري كيف تكونت حروفها على اللسان العربي، اللهم إنك تشعر بحرارتها، ودفئها، وهي تنساب مصفوفة الحروف، عميقة المعاني، كأنها الظلال الوارفة في هجير الشمس الحارقة.
ومن هذه الكلمات عبارة “ولكنكم تستعجلون” هي ذات حدّين، وكل حدّ منها يغوص في أعماق القلوب، فهي تخرج من قلب رؤوف، ونفس تركن إلى ركن شديد، تخرج من قلب مطمئن اطمئناناً تاماً، إلى الوعد الحق، بالنصر والتمكين، إلى وعد لا تضره جرائم الأشرار، فهو متنزّل على قلب جدنا إبراهيم عليه السلام، والنيران تستعر به، يخيّل للطغاة أنّ نار حقدهم ستفني الجسد الشريف، وما ظنوا أنّ النار بأمر باريها، فخاطبها “قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم”.
أما العبارة الخالدة: “ولكنكم تستعجلون”، فهي تعقيب وتوضيح، جاء صحابيّ جليل أكل الحديد المصهور بالنار من ظهره، وصنع علامات فيه، فجاء يشكو بقلب مطمئن، ولكن مسألة الزمن تبقى قائمة في ناظريه، هل بقي فيه مدة وفسحة لطي كلمة الباطل تحت الأقدام، أم ماذا؟ فعن خباب رضي الله عنه قال: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. فالوقت طال أم قصر، فلن يكون عقبة أمام الوعد الحق. وتبقى الكلمات النبوية، تنزل السكينة في قلوب المؤمنين. ولكنكم تستعجلون.
تصنيفات : قضايا و مقالات