الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده.
لم تكد أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم تطأ أرض المدينة المنورة حتى بدأ ببناء أسس الدولة الإسلامية وقواعدها، لكنه واجه صعوبات واصطدم بعقبات كان لا بد من إزالتها، مهما كلفه الأمر من تضحيات، وأهمها:
أولاً: أن المجتمع في المدينة كان قد تم بناؤه على قاعدة الكفر والشرك بالله سبحانه، بينما الدولة التي يسعى لتأسيسها لا بد أن تقوم على قاعدة العبودية لله، فبدأ ببناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي، وكان قد أرسل قبل هجرته مصعب بن عمير إلى المدينة لنشر الدعوة فيها وتعليم من أسلم القرآن.
ثانياً: لا يخفى على عالم أن مجتمع المدينة قبل الهجرة النبوية، كان مجتمعاً متفرقاً ممزقاً، مختلفين ومتناحرين فيما بينهم، بينما المجتمع الذي ستقوم عليه دولة الإسلام لا بد أن يتصف بصفات الأمة الموحدة، فشرع في توحيدها، وأقام تحالفاً مع يهود المدينة، وأبرم عهداً بين الأنصار أنفسهم، وهذا الفعل هو ما أطلق عليه في التاريخ بـ (الصحيفة).
ثالثاً: اصطدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فور وصوله بما كان أهل المدينة يعدونه قبل الهجرة، من نظم الخرز لتتويج (ابن سلول ) ملكاً على يثرب، مما أثار حفيظته وصب جام غضبه على الدعوة الجديدة وصاحبها، فأصبح بؤرة يتجمع حولها جميع أعداء الدعوة، وخاصة قريش التي تحالف معها.
وقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يواجه هذا الشر المتحالف، فتخلص من ابن سلول تارة بالحكمة، وتارة بالقوة، كما فعل في مسجد الضرار، وأما قريش فلم ينفع معها إلا المواجهة المسلحة، حتى تخلص منها نهائياً في فتح مكة.
رابعاً : أن طبيعة الدولة التي سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأسيها، تتصف بالعالمية، وليست دولة إقليمية أو وطنية، وهذا يفرض عليه مواجهة القوى العظمى يومئذ، وعلى رأسها الروم وفارس، ولكن العرب كانت ترتعد فرائصهم هلعاً من هذه القوى، ولا يمكن لعربي يومها أن يراوده الطمع في مواجهتها، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كسر هذا الحاجز أمام المسلمين، فسير جيشاً قوامه ثلاثة آلاف من أصحابه لمواجها الامبراطورية في (مؤتة)، انتصاراً للغدر برسوله الذي بعثه إليهم. ورغم أن المعركة لم تحسم، لكنها حققت الهدفين تماماً، فانتصر لمقتل رسوله، وتجرأ المسلمون لمقاتلة هذه القوى العظمى. وهذا ما فعله مرة ثانية في غزوة (تبوك)، مع أنه لم يلق قتالاً في أرض المعركة، إلا أن الهدف قد تحقق بالفعل.
والآن دعونا ننزل بهذه الخطوات النبوية على واقعنا في فلسطين، وبالأخص على واقع غزة.
أولاً: بدأت الدعوة الإسلامية بالظهور في فلسطين في أواخر القرن الماضي وانتشرت في أوساط الشباب في عموم فلسطين، فعملت جاهدة على تربية شريحة واسعة من طبقات مختلفة من الشعب الفلسطيني، تربية إسلامية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا أقامت بناءها على قاعدة العبودية لله سبحانه.
ثانياً: تطورت الدعوة الإسلامية في عملها ودخلت في مشروع مقاومة المحتل، حتى استطاعت أن توحد جميع فئات الشعب الفلسطيني تحت هدف واحد، وهو مقاومة العدو المحتل، وأخذ مشروع الحل السياسي يتضاءل ويضمحل في الشارع الفلسطيني- حتى في نظر الكثير ممن كان يتبناه طريقاً للخلاص والتحرير-، فأضحى غالب المجتمع الفلسطيني موحداً بهذا الاتجاه.
ثالثاً: قبل أحداث السابع من أكتوبر الماضي، كادت الطبخة السياسية في المنطقة – وبإشراف أمريكي- أن تنضج، لتطبيع الشعوب العربية مع دولة اليهود، بل ولتتويج هذه الدولة قوةً عظمى مهيمنة على المنطقة، فأسرعت الحركة الإسلامية بأحداث السابع من أكتوبر، وخلطت الأوراق، فانقلبت الطاولة على أصحاب اللعبة، مما هيج دولة الاحتلال، وتحالفت معها قوى كبرى بتواطؤ عربي، للتخلص من هذه الحركة التي أضحت مصدر تهديد لهم.
رابعاً: قبل تأسيس الحركة الإسلامية المقاومة في فلسطين، كان العرب عموماً والأنظمة على وجه الخصوص يشعرون بالرعب أمام دولة الاحتلال المدعومة من الغرب والولايات المتحدة بكل شيء، التي صنعت جيشاً مجهزاً بكل الإمكانيات، حتى انتشرت مقالة ( الجيش الذي لا يقهر)، ورسخ ذلك في الضمير والعقل العربي.
ثم بدأت الحركة الإسلامية بعمليات نوعية في قتال العدو، وبدأت صورة دولة المحتل تهتز أمام هذه الضربات، إلى أن جاءت الضربة القاصمة في السابع من أكتوبر فأساءت وجه العدو، وانتهت أسطورته التي بناها على أوهام كاذبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هناك وجه أو وجوه شبه بين الخطوات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم لتأسيس دولته في المدينة بعد الهجرة، وبين الخطوات التي سارت عليها الحركة الإسلامية في فلسطين؟ وإذا كان هناك وجه أو وجوه شبه في الخطوات فهل ستكون النتائج متشابهة كذلك؟!
هذا ما نرجوه ونأمل من الله سبحانه أن يكون قريبا (ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
تصنيفات : قضايا و مقالات