الْحَمْدُ لِلَّهِ حمد الشاكرين والحمد لله في كل وقت وحين، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أشرف الخلق والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد؛
فعند مطاردة فرعون وجنوده لموسى عليه السلام ومن آمن معه للقضاء عليهم ورأوا البحر أمامهم ولا مفر لهم من الهلاك قال أصحاب موسى له: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} فأجابهم جواب الواثق بربه المتقي له ابتغاء رضاه عز وجل ودون تردد بقوله: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي؛ سيهدين لطريق ننجو فيه من فرعون وجنوده، وهذا الجواب يبين بجلاء كمال التوكل على الله وروعة الثقة وحسن الظن بالله، ومع كل الجبروت والطغيان من فرعون، وكل هذا العتو والإجرام، لم تتزعزع ثقة موسى بربه، وإيمان المؤمن الحقيقي يتكشف وقت الشدة، فقد كان موسى عليه السلام ومن معه في شدة وكرب وفي موقف فاصل بين الإيمان بالله والعبودية الخالصة له، وبين ادعاء فرعون الزائف بربوبيته، وكانت هذه الثقة في خضم المحنة والكرب فجيش فرعون الكبير يتبع موسى عليه السلام وقومه من خلفهم، والبحر من أمامهم، ومن قلب المحنة والكرب والمعاناة والثقة المطلقة بمعية الله وهدايته جاء النصر والفرج والتمكين {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}.
لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم واثقاً بمعية الله تعالى في كل أقواله وأفعاله، فعندما لحق سراقة بن مالك بالنبي وصاحبه الصديق في طريقهما إلى المدينة المنورة وكاد أن يصل إليهما ظن أبو بكر بأنهم مدركون وأنه قد انكشف أمرهم فقال له النبي: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» فما أحوجنا إلى تقوى الله تعالى وأن نكون واثقين بالله تعالى في كل أقوالنا وأفعالنا فاليقين بنصر الله والثقة به يؤديان إلى النجاة في الدنيا والآخرة، واستشعار المسلم معية الله تعالى وأنها تؤدي إلى التوفيق والتسديد والنصر والإعانة والحفظ والرعاية من الله تعالى تنعكس إيجاباً على أقواله وأفعاله ولا يدخل اليأس إلى القلب ولا تردد ولا خوف؛ بل ثقة وأمل، فما دام الله موجودا فلا خوف ولا رجوع ولا استسلام؛ بل استكمال للمسيرة؛ فحين يغشانا الكرب وتخيم علينا الأحزان، وتزداد علينا المحن، ويتكالب علينا الأعداء، ويعم الابتلاء ويبلغ اليأس مبلغه، نقول: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
وفي ظل الظروف الراهنة التي نعيشها في فلسطين يجب استشعار معية الله والثقة بهدايته لنيل مرضاته على كل الصعد وأنه سيهدينا وينور طريقنا؛ فعلى الصعيد الاقتصادي وفي ظل الأزمة المالية التي تعصف بنا نثق بالله تعالى أنه لن يضيع أعمالنا؛ فالمقتدر يساعد المحتاج امتثالاً لقول النبي: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”.
وفي ظل الحرب المسعورة التي تشن على المستضعفين نتوكل على الله ونثق بعدله فنقوم بما علينا من مساعدة وجبر للخواطر؛ فجبر الخواطر من أحسن الأخلاق وأعظمها، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم خير مثال في جبر خواطر الناس، فالحزين من أهل الشهداء والجرحى والأسرى ومن هدم بيته محتاج إلى من يجبر خاطره بكلمة حانية، والجريح محتاج إلى من يجبر خاطره بدعاء العافية، وعندما تعين أرملة أو يتيماً تجبر خواطرهم فمن تيقن أن الله معه ويسدد خطاه وواثق من أن الله سيهديه للطريق الصحيح وأنه سيصوب رأيه ويعينه ويحفظه ينعكس هذا على أقواله وأفعاله.
نفعنا الله وإيّاكم بالعلم النّافع والعمل الصالح وحسن التوكل والثقة بالله والحمد لله رب العالمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات