المؤاخاةُ بين المهاجرين والأنصار.. مشهدٌ يتكرر في فلسطين، د. إسراء عزام سلايمة
يوليو 1, 2024
للمشاركة :

لمّا كانت هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من وطنه وبلده إلى المدينة المنوّرة، وحصل للمسلمين ما حصل من غُربةٍ عن أوطانهم وبيوتهم وأهلهم، وانتقالهم من حياتهم الكريمة السّعيدة إلى حياةٍ لا يملكون فيها شيئًا، جاء أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار (أهل المدينة).

فكان موقفُ رسول الله في ذلك الوقت صارمًا حازمًا لا بد منه؛ لتخطي الأزمات والصّعاب التي مرّ بها وصحبه، فأعطى للبشريّة نموذجًا من خيرِ ما كتبه التّاريخ، هذا النموذج الذي أرسى به رسول الله قواعد وأسس يجبُ تفعيلها كلّما تكرر الحال، فهو نموذجٌ صالحٌ في جميع الأعصار والأمصار وهو “المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار”، كان لهذه المؤاخاة الأثر الكبير في استقرار المجتمع الإسلاميّ الجديد، فهي الخطوة الأولى لبناء دولة إسلاميّة قويّة ذات دعائم متينة قائمة على الأُخوة والتّرابط والتّكافل التي كانت بدورها إحدى أسباب النّصر العظيم للأمّة الإسلاميّة.

بدأ الرسول من اللحظة الأولى ببناء المجتمع المسلم المتماسك المتآخي المترابط الذي يطبق قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، مجتمع تسوده هذه الأخوة لا ريب أنّه مجتمع قويّ، وكان من بركة هذه الأخوة التّوفيق والسّداد والقوة أمام كل من يحاول أن يتطاول عليهم.

وعندما أمر رسولُ الله الأنصار بمؤاخاة المهاجرين، سارع الأنصار إلى تطبيق ما أمرهم رسول الله وزادوا على ذلك، فكان ردّهم أن يُنصفوا أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، فقال عليهم رسول الله: لا، ولكن كان المقصد من كلام رسولنا أن تُعينونا ونُعينكم، وتُمِدُّوا يد العون لنا ونَمُدُّها لكم.

فكان جزاء الأنصار أن جَعَلَ رسول الله علامة الإيمان حبّ الأنصار، وقال عليه السلام: لا يُحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق.

وكان للمؤاخاة عند الأنصار شأنٌ عظيم ولها مساحة خاصّة عندهم؛ فعدوا هذه المؤاخاة مفخرةً يعلّمونها لأبنائهم، ويتسابقون على ضيافة المهاجرين وإكرامهم؛ لذلك استحقوا المكانة الرّفيعة في الإسلام … وسيرُ الصّحابة الكرام مليئةٌ بالمواقف المُشرِّفة التي تُثبتُ ذلك.

من هنا نُدرك أهمّية الأخوة بين المسلمين في جميع الأحوال، وتزداد أهمّيتها كلّما اشتدت الحاجة إليها، نرى ذلك بوضوح في الواقع الذي نعيشه في فلسطين، فحان وقت أن نُفَعِّل هذا النموذج الذي علّمنا إياه حبيبنا المصطفى عليه السلام، وحان الوقت لنكون مثل الأنصار في مؤاخاتهم ومودتهم، فهذا وقته، والمؤاخاةُ هي واجبُ الوقت في ظلّ الأزمة العصيبة التي يمر بها شعبنا الصّابر المرابط.

فأقل واجب يمكنُنا أن نُقدّمه لأهلنا في فلسطين – وخاصّة أهلنا في غزة العزة – الذين كسروا شوكة العدو، وشفوا صدورنا، وتحمّلوا الآهات لأجل خلاص الأمّة الإسلاميّة وتحرير الأقصى من أيدي الأعداء الصهاينة: الدّعاء لهم بالثّبات والتّمكين والنّصر في كلّ قيامٍ وصيامٍ وفي كلّ وقتٍ وحين، والتّواصل مع العائلات ومواساتهم ومد يد العون لهم وموالاتهم ومحبتهم، وبذل الغالي والنفيس لمَنْ ضحّوا بأنفسهم وأموالهم لأجل أن نعيش بعزة وكرامة، قال الله سبحانه وتعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]، وإظهار البراءة من أعداء الإسلام ومن كلّ المتخاذلين والخونة، ومقاطعة كلّ ما من شأنه أن يساهم في دعمهم ماليًا واقتصاديًّا وسياسيًا وعسكريًا وغيره.

نُريدُ من شعبنا مؤاخاة نصر وتمكين؛ تقديرًا منا لما قدّموه لنا من معروفٍ لا يُقدّر بثمن من فخرٍ وعزةٍ وكرامةٍ، وتطبيقًا لقول رسولنا المصطفى: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقوله أيضًا: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا).

أليس هذا أقل واجب يُمكننا أن نقدّمه للمجاهدين المرابطين الأبطال؟!

بعد كل ما سبق قوله، نقول: أين نحن من أنصار المدينة؟!! أين أنصار غزة وفلسطين؟؟

فليكن لنا بصمة ذات أثر في هذه الهمّة والهبّة المباركة، لنكن النّموذج الجديد الذي يُقتدى به.

تصنيفات :