وقفات مع عاشوراء، أ.عقل ربيع
يوليو 1, 2024
للمشاركة :

ثمة قضايا تظل حاضرة وفاعلة مهما طواها الزمان. بل ربما زادت ألقا وتوهجا بمرور الوقت. وقد تصبح مادة للدراسة واستلهام الدروس العظيمة. ومن هذه القضايا المهمة (عاشوراء). أو العاشر من محرم. فهذه القضية لا تبرد. وتستمد سخونتها المتجددة من ارتباطها بسياقات تاريخية مفصلية صعبة. وفي هذه العجالة لا فرصة للتعمق الاستقصائي وحسبنا هذه الوقفات السريعة التي يمكن للقارئ الانطلاق منها إلى مزيد دراسة وبحث تشكلت عاشوراء في الوعي الإسلامي اعتمادا على الحديث النبوي الشريف الذي ربط العاشر من محرم بنجاة موسى عليه السلام من فرعون. ولم تكن كربلاء قد وقعت بعد، ولذلك فلا يمكن حذف نجاة موسى عليه السلام والاكتفاء باستشهاد الحسين رضي الله عنه سببا لإحياء عاشوراء. ويمكن الجسر بين الأمرين اتكاء على أنه يوم نجاة موسى من فرعون كما ثبت في الحديث النبوي الشريف، ومن بعد ذلك ارتبط العاشر من محرم أيضا بكربلاء. وقد يرتبط لاحقا بأحداث كبرى محتملة، ولا غضاضة في استلهام ذكرى العاشر من محرم بكل ما شهده من أحداث في أعوام كثيرة مهما اتسع بينها الزمان دون تجاهل نجاة موسى كحدث مؤسس.

ويظل الجامع بينها إنها أحداث كبرى لا يمكن القفز عن تجلياتها، واستعادتنا لذكرى نجاة موسى لا تعني إغفالنا ذكرى مقتل الحسين، ولكننا نذكر كربلاء حدثا متجددا في يوم عاشوراء وليس سببا لبداية تأسيس فكرة يوم عاشوراء

 * إن استعادة المسلمين كل عام لذكرى نجاة موسى من فرعون تظهر بلا مواربة عظمة المنهج الإسلامي في دراسة التاريخ والحكم على الأحداث، وعلى الرغم من الصراع الشديد بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود فقد فصل بين موسى النبي الصادق الذي لم يرهبه فرعون وبين يهود المدينة الذين لم يؤمنوا بالإسلام بل حرضوا عليه، وكذلك فقد عد نجاة موسى نجاة للحق وانتصارا للدين، وكذلك وعلى الرغم من صراع المسلمين اليوم مع الاحتلال سيظل المنهج الإسلامي عادلا ودقيقا في قراءة يوم نجاة موسى؛ فموسى آنذاك كان يحمل لواء الإيمان والحق بينما كان فرعون يحمل لواء الظلم والطغيان، وما زلنا وسنظل نعتز بموسى ونكره فرعون

في عاشوراء نجا موسى ولكن لم ينج الحسين، ومن حكم ذلك أن هلاك موسى كان يعني هلاك الدين بينما لا يعني مقتل الحسين هلاك الإسلام، فالأمة حية وفاعلة والعلماء والحفاظ على كل ثغر، وهذا يعني أن الله عز وجل سيحفظ الدين مهما كثر الطغاة، وأن الصف المؤمن الذي يدافع عن الإسلام (الرسالة الخاتمة) موعود بالنصر في نهاية المطاف مهما بدا ذلك صعبا. ولكنه صف مطالب بالإعداد والاستعداد، وسيفتح الله عز وجل له باب نصر أو باب ارتقاء إلى الجنان.

لقد ظل موسى عليه السلام متمسكا بالحق وهو لا يعلم مآلات الأمور، وكان مستعدا لكل احتمال مهما كان صعبا، ولم يساوم فرعون على شيء من الدين على الرغم مما بدا من قوة فرعون وطغيانه وقدرته على فعل كل شيء، ولذلك كان لنجاة موسى هذا الأثر الرهيب الذي ظل فاعلا في نفوس المؤمنين بالله عز وجل حتى اليوم.

تصنيفات :