الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين ورحمة الله للعالمين محمد وآله وسلم تسليما، وبعد؛
إن المتأمل في حقيقة الحياة التي يعيشها المرء، يجد أنها رحلة قصيرة ما أن تبدأ حتى توشك أن تنتهي، ولذا فإن واجب كل ذي لب أن يبحث عن أسباب النجاة، بأن يعي طبيعة الطريق الذي يسلكه، والمنهج الذي يتبعه، ويختار الصحبة التي توجهه وتنصحه وترشده ليبلغ مراده؛ فيدرك المقصد وينجو من الخسران والضلال المبين.
فقد نعى القرآن العظيم على فئة من الناس، أساءت اختيار المنهج والصحبة بقوله تعالى على لسانهم: “فما لنا من شافعين ولا صديق حميم”[1] قال الإمام القرطبي: أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. (ولا صديق حميم) أي صديق مشفق، وكان علي رضي الله عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار:” فما لنا من شافعين ولا صديق حميم”.[2]
فاختيار الرفيق قبل الطريق كان المنهج النبوي الذي أرست معالمه السيرة النبوية الشريفة، من خلال الإعداد للهجرة المباركة، فكان اختيار النبي صلى الله عليه وسلم، لصاحبه أبو بكر الصديق، هو أول الخطوات التي شغلته، فهو بذلك يُعَلِّم الأمة أن الخطوات الناجحة تحتاج دومًا إلى رِفقة وإلى أصحاب صالحين، وأنه وإن كان الرسول العظيم المؤَيَّد بالوحي فإنه يحتاج في سفره ورحلته إلى صاحب، فكان حريصًا دومًا على الصحبة، ولهذا جاء تدبير وترتيب كل خطوات الهجرة مشترَكًا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
فإذا كانت الهجرة النبوية تستوجب كل هذا الحرص في اختيار رفيق الطريق، في ظل المكائد التي تحيكها قريش في محاولة منها لوأد الدعوة قبل أن تجد لها قاعدة جديدة، فإنّ هذا يعلمنا أن نحسن اختيار رفقاء الطريق في حياتنا، سواء في معرفة من نتلقى عنهم ونأخذ بعلمهم، ومن نجالسهم ونصحبهم في الحل والسفر، ومن نتبعهم في فهمنا ومنهجنا الفكري وفقه الحياة، فكل طريق له رفيق، وإنّ الطريق إلى الله تعالى يستوجب أن نختار له خير رفيق.
وهذه الدروس تنسحب على كامل وقائع حياتنا، في بناء التحالفات واختيار المجتمعات التي تقف إلى جانب الحق ونثق في مواقفها وإسنادها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي، واستعدادها لدفع الثمن مهما عظم، فقد قدّم الصِّديق رضي الله عنه كل ماله، وأعد الرواحل وكلف أهل بيته بأدوار محددة فتولت أسماء التموين وعبد الله بن أبي بكر يقوم بدور المراقبة وجمع المعلومات وعبد الله بن فهيرة في التمويه على العدو واستأجر الدليل المؤتمن[3]، في سبيل حماية النبي صلى الله عليه وسلم من مكر قريش؛ فالأمة التي تخوض معركة وجودها وتثبيت حقوقها يجدر بها أن تحسن اختيار حلفائها الذين ينصرونها في القضايا المصيرية، ويقدمون لها الدعم في المحافل كافة، وهذا يتطلب فقهاً في إدارة العلاقات وموازنتها وفهماً في تكييف المصالح والمفاسد.
وفي ظل حالة الفوضى التي أحدثتها الفضاءات المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي وظهور من ينتسبون للعلم في قنوات اليوتيوب، الذين يحاولون خلخلة ثوابت الأمة وعقيدتها والطعن في علمائها وتاريخها ويروجون لظاهرة التكفير والتبديع؛ فيجب على كل مسلم أن يحذر من الانجرار وراءهم، وأن يتنبه لخطورة هذه الظاهرة التي تبث الدعايات الهدامة والفكر الملوث، ويعرف عمن يأخذ دينه ومنهجه.
[1] الشعراء: 100-101.
[2] القرطبي، أبو عبد الله، الجامع لأحكام القرآن، 13/ 116-117.
[3] ابن هشام، السيرة النبوية، 1/486
تصنيفات : قضايا و مقالات