الشّجاعة في القرآن الكريم.. قصّة موسى عليه السلام نموذجًا
- التربية الإيمانية تمنح الشَّجاعة وتنمّيها:
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالقتال والجهاد في سبيله، والثّبات على ذلك، والإقدام في الحُروب وعدم الجُبن والخَوف والخَوَر؛ قال تعالى: “يَآ أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا زَحفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدبار”. وقال جلَّ وعلا: “يَآ أيُّها النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤمِنِينَ عَلَى القِتالِ”.
وفي ذلك لفتٌ لانتباه المؤمنين على أنَّ أمر هذا الدِّين يحتاج إلى شجاعةٍ وتضحية، فالشَّجاعةُ أصل الفضائل؛ فمن اتَّصف بها تحلَّى بالنَّجدة وعلوِّ الهمَّة، والثَّباتِ والصَّبر، وتحمل صاحبَها على عزَّة النَّفس وإيثار معالي الأخلاق والشِّيَم.
- التَّوازن بين الكلمة الليِّنة والجُرأة في الحقّ:
والمتتبِّع لآيات القرآن الكريم وقَصَصه يجد في نبيِّ الله موسى عليه السَّلام واقِعًا حيًّا في الشَّجاعة والإقدام؛ فرغم أمرِ الله له بالتِّلطُّف بالكلمة -“فَقُولَا لَهُ قَولًا لَيِّنًا”- إلا أنَّه وازن بينها وبين الجُرأة في الحقِّ:
- فقد واجه موسى عليه السَّلام جبروتَ ثلاثةٍ من صناديد الشِّرك والكُفر وطُغيانهم، يمثِّلون طُغيانَ السُّلطة والمال: فِرعون، وهامان، وقارون، فحقَّق معهم في دعوته ذلك التَّوازن الصَّعب -الكلمة والجرأة والشَّجاعة-.
والنّاظِرُ لحال الواقِع اليوم يجدُ ربطًا عجيبًا وشَبَهًا غيرَ بعيدٍ بموسى عليه السلام؛ فنرى من ينافح ويكافح عن أرضِنا غزَّةَ وفِلسطينَ بكلمةٍ ثابتةٍ ويحمي ثراها بالقوَّةِ والإقدام. وشعبُنا اليوم يواجه عددًا أكبر وأعتى ممَّا واجههُ نبيُّ الله موسى؛ خذلانُ القريب، وعنجهيَّة العدوِّ البعيد. فلا بدَّ من بذلِ الوقتِ والنَّفس والكلمة في سبيل الحقِّ قَولًا وعملًا.
- وكذلك أُرسِل مُوسى عليه السَّلام حتّى يُنقذَ قومَه من استعبادِ فِرعونَ وظلمِه لهم: “وتلك نِعمَةٌ تَمُنُّهَا عَليَّ أن عَبَّدتَ بَنِي إِسرَائِيلَ”. فهذه كلماتٌ خرجت من فمِ موسى عليه السَّلام تعلن بشجاعةٍ مطلقةٍ أنَّ حُرِّيَّة الإنسان هي حتمًا عندما يتحرَّر من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.
- ما بين موسى عليه السَّلام وأرضِ فلسطين:
وما يحدث في غزَّة وفلسطين من حصارٍ منذُ عقودٍ واحتلال غاشم ومحاولة تركيعٍ وسلخٍ للهُويَّة والعقيدة من النُّفوس ما هو إلا كحال فِرعونَ مع موسى وقومِه، آذاهم وكاد لهُم، وقتّل رجالَهم واستحيى نساءَهم، لكنَّ الله جعل بأمرِه ومن ثمَّ بشجاعة موسى وثقته بربّه العاقبةَ له ولقومه. فكما حرَّر موسى قومَه من الاستعباد بالجُرأة وقولِ الحقِّ ومقارعةِ الحُجَّة بالحُجَّة، فنحن كذلك لزامٌ علينا رَفع الظُّلم والجُور، ولن يحصل ذلك إلَا بمواجهة المحتلِّ باللغة التي يفهم وتناسبُ حاله،
“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإنِّ اللهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ”. ويكفينا في نبيِّ الله موسى ورسول الله محمَّد عليهما الصَّلاة والسَّلام أسوة حسنة في الهِمَّة والشَّجاعة والتَّضحية.
- الإقدام فضيلةٌ ووسامُ شَرَف:
يكفي الشُّجاع المقدام فخرًا وشرفًا حُبَّ الله له. قال تعالى: “إنَّ اللهَ يُحِبُّ الذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ”، ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو ذرّ: “ثلاثةٌ يحبُّهم الله، وذكر منهم: الرَّجل يلقى العدوَّ في فئةٍ فينصُب لهم نحرَه حتى يُقتَل أو يفتح لأصحابه”.
والحقيقةُ التي لا يراودها شكٌّ أنَّ اللهَ ما أقام هذا الدِّين إلا بالحُجَّة والبُرهان والسَّيفِ والسِّنان.
لذا فقد قالُوا قديمًا: الشُّجاع محبَّبٌ حتَّى إلى عدوِّه، والجبانُ مبغَضٌ حتَّى إلى أمِّه. وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: يقول: “قَوام هذا الدِّين كتابٌ يهدي وسيفٌ ينصُر، وكفى بربِّك هاديًا ونصيرًا”.
وما أجمل ما قاله الشاعر
*ولو أنَّ الحيــاةَ تبقـى لِحَيٍّ لعَدَدنـا أضَلَّنـا الشُّجعانـا
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ فمِن العجزِ أن تموتَ جبانًا
تصنيفات : قضايا و مقالات