محمد – عليه الصلاة والسلام – قائد وفارس، د. محمد أحمد عطاية
أغسطس 1, 2024
للمشاركة :

الحمد لله أحمده وأستعين به وأستهديه وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والسائرين على دربه المهتدين بهديه إلى يوم الدين، وصل علينا معهم يا رب العالمين، أما بعد؛ فإن الشجاعة والإقدام والثبات على الحق خلق كريم من الأخلاق التي دعا إليها كتاب ربنا وانعكست على خلق نبينا، قال تعالى:( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ..)، وقد أعد الله النفوس أعدادا يليق بحملة هذه الرسالة ، فقد حذر من التولي أمام الأعداء والفرار يوم الزحف ، قال تعالى:( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير )، فممنوع على المسلم أن يتصف بالجبن، إذ كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجبن في دعائه فيقول:( ..وأعوذ بك من الجبن والبخل..)، فسبحان من كمل نبيه صلى الله عليه وسلم بكل الأخلاق الحميدة والمناقب المجيدة فقال تعالى واصفا نبيه:( وإنك لعلى خلق عظيم)، وهنا نسلط الضوء على خلق الشجاعة والإقدام من أخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك من عدة وجوه:

أولا: شجاعته في القتال ومواجهة العدو.

وفي هذا المجال نورد قول علي رضي الله عنه: “كنا إذا حمي البأس (القتال)، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه” رواه أحمد، وقال البراء: “كنا والله إذا احمر البأس (الحرب) نتقى به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به ـ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ـ” رواه مسلم.

وظل صلى الله عليه وسلم ثابتا في أحد يحارب رغم إصابته؛ حيث شج وجهه وكسرت رباعيته، كما أن ثباته يوم حنين في بداية المواجهة مع قلة من أصحابه غيّر مجرى المعركة من هزيمة إلى نصر.

ثانيا: اتصافه بالنجدة والحمية والمبادرة.

فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبى طلحة عري (مجرد من السرج)، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (لا تخافوا ولا تفزعوا)) رواه البخاري.

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “ما رأيت أشجع ولا أنجد (أسرع في النجدة) من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ثالثا: ردة فعله عند وقوع الخطر.

وهنا نذكر قصة يرويها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فيقول: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، والسيف صلتا (مسلولا) في يده فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشام السيف (رده في غمده)، فها هو ذا جالس، ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم، قال ابن حجر في فتح الباري: “وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه، وصبره على الأذى، وحلمه عن الجهال”.

رابعا: حرصه على القوة البدنية.

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال: وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وحسنه الألباني في فقه السيرة.

وهناك رواية حسنها الألباني وفيها: (وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا معروفا بقوته يسمى ركانة، فصرعه (غلبه وهزمه) النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة.

خامسا: الحث على الإعداد والاستعداد والدربة.

فقد روى البخاري في صحيحه عن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا).

وبعد هذا التفصيل لا بد من الإشارة والتنويه إلى جملة أمور:

*  كان هذا البأس وهذه الشدة يوجهها النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الأعداء فقط، حتى أنه أعرض عن المنافقين ولم يواجههم حفاظا على نسيج المجتمع.

* وما كان له من شجاعته وبأسه حظ لنفسه ولا سبب لعلوه وطغيانه وتجبره، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت:( وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله؛ فينتقم لله تعالى) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم قالت رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله).

* كان صلوات ربي وسلامه عليه في كل ما ذكرنا من شجاعته ملهما لأصحابه وقدوة لمن بعدهم إلى يوم القيامة، وإنا والله لنشهد اليوم نماذج من الشجاعة والإقدام والثبات يتمثل فيها هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم جليا في ثلة المجاهدين في غزة الإباء الذين باعوا أنفسهم لله وأعدوا ما استطاعوا من قوة وبأس في أنفسهم ( قوة ودربة ومهارة وإيمانا ويقينا) وفي عتادهم وفي حاضنتهم الشعبية التي تقدم بسخاء المال والولد والنفس، رأينا نماذج إيمانية لا تعرف الخوف ولا تتراجع ولا تجبن، وكأن الله تعالى يعد هؤلاء لحمل أمانة الأمة وتقدم صفوفها لتحقيق عزتها ورفعة شأنها وإعادة سيادتها على أمم الأرض وإعادة حكم الإسلام من جديد ليسود الدنيا بعدله ويحقق للبشرية كرامتها وإنسانيتها بعد أن فقدتها، وما ذلك على الله بعزيز.

والحمد لله رب العالمين

تصنيفات :