شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الهجرة إلى فتح خيبر
(الفدائي القدوة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين الرسول القدوة والنبي الأسوة وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فمن أهم العوامل التربوية فعاليةً وأشدّها تأثيرا على تكوين سمات الشخصية لدى أفراد المجتمع ذكورا وإناثا هي القدوة؛ فكلما سمت القدوة وارتقت اقتربت الأمة من النهضة والحضارة وتحلت بأسمى القيم وأنبل الأخلاق، وكلما هوى الأنموذج المحتذى به هوت الأمة معه ووصلت إلى حد الاندثار والانحطاط الفكري والأخلاقي، بيد أن الله تعالى منَّ على هذه الأمة بخير من يُتأسى به وهو سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) مكّن الله لنبيه المصطفى هذه الميزة في أمته فكان كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها “كان خلقه القرآن”، ومن بعده سار صحابته الكرام يحيون بالقرآن ويحيا بهم ممارسة فعليه في حياتهم فلم يتركوا خلقا ولا قيمة إلا وقد تجسدت في شخص واحد منهم ولو أردنا ذكرها لما وسعت مئات الصفحات لعرضها.
ولكن أردت أن أعرض في هذا المقال الصغير قيمة البطولة والتضحية وكان خير من يمثلها الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله ومن آل بيته الكرام، وقبل أن نتناول قصص البطولة في شخص على رضي الله عنه ولن نخوض في تفاصيلها يكفينا استنباط العبر المستوحاة منها.
لماذا الآن بالذات نتحدث عن البطولة والتضحية لماذا هذه القيمة بالذات؟
لا شك أن تلك المشاهد المثيرة لما تبديه المقاومة الفلسطينية في غزة هاشم، مشاهد البطولة والبسالة والشجاعة والتضحية في أسمى معانيها أعادت إلى الأذهان تلك الصور المشرقة لتاريخ أمة عظيمة جيل ( خير الناس قرني ) جيل حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب والقعقاع بن عمرو وخالد بن الوليد وغيرهم، كنا نقرأ تلك السيرة العطرة فإذا بها تترجم عمليا أمامنا، وكأن تلك المشاهد بعثت فينا الصحابة من جديد كأني بالبراء بن مالك يلقى على ترس أسنة الصحابة في الحديقة في حرب مسيلمة وبعليٍّ ابن أبي طالب يفتح حصون خيبر، وبخالد بن الوليد يقود جيش مؤتة بخطة عسكرية أذهلت الروم.
تحدثني خرائط المقاومين هناك بأن نفس خالد وروحه تجول في المكان، يذكرني المقاوم مبتور القدمين بعمرو بن الجموح، يذكرني المقاوم الذي يتأرجح بأرجوحته وبصوته المفعم بالتحدي بأبي دجانة وهو يعصب العصبة الحمراء ويختال في مشيته مشية يخبره الحبيب المصطفى بأنه يبغضها الله إلا في هذا الموضع.
نتساءل هل بعث الصحابة في مقاومي غزة أم أن القدوة قد فعلت فعلها فيهم؟
_ فلنعد إلى علي رضي الله عنه وقد اختار النوم في فراش الحبيب المصطفى ليلة الهجرة ومجموعة من فرسان قريش تتربص خروج النبي عليه السلام من بيته للانقضاض عليه وقتله، فتى في مقتبل العمر يقدم روحه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا الدين لتحيا به أمة بأكملها إلى يوم الدين لا يختلف الأمر كثيرا عما فعله أهل غزة ومجاهدوها فقد اختاروا أن يفتدوا هذه الأمة بأنفسهم لتبعث الحياة فيها من جديد بعدما أدركها الموت وكادت الأمة تخضع وتركن إلى الذل والهوان فأفاقت على صوت راجماتهم وقذائفهم التي اخترقت عقولنا قبل أن تخترق دباباتهم.
– وعلي هو نفسه يظهر مرة أخرى ولكن المشهد الآن في الخندق حين بلغت القلوب الحناجر ليتصدر لمبارزة عمرو بن عبد ود ذاك المقاتل المتمرس الذي ذاع صيته في كل البلاد ينادي ثلاثا من يبارزه لكن من يجرؤ على مواجهة هذا المحارب العنيد؟! ولكن عليا كان لها في كل مرة يقولها: أنا لها يا رسول الله! كان لا بد أن يخرج هذا الصوت الذي يبعث روح التحدي ويقف في وجه الباطل بل ويرديه صريعا مضرجا بدمه فتعود قريش تجر أذيال الخيبة.
وواقع نعيشه اليوم؛ كان لها أيضا جنود الله في غزة يقفون مرة أخرى رغم تفاوت القوى والعتاد بتحدٍ وإصرار يفشلون كل محاولات العدو للنيل منهم ويحولون دون تحقيق أهدافهم وفي كل مرة كانوا يجرون أذيال الخيبة أيضا.
_ ويتراءى أمامنا لبرهة قصيرة مشهد فتح حصن خيبر ورسول الله يقول لصحابته الكرام:
«لأعطينَّ الراية غداً رجُلا يحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله كرَّار غير فرَّار يفتح الله عليه» فيكون عليا من اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة الصعبة وقد صدق القول فيه، ففتح الله على يديه أقوى الحصون في وقتهم وآخر المعاقل ليهود.
ولتكن في قصته إيحاء عظيم أن شرط الفتح محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووالله الذي لا إله إلا هو ما كان هذا الاختيار وهذا الاصطفاء لأهل غزة إلا لهذه المحبة، فأحبهم الله وأحبوه ونسأل الله تعالى أن يتمم عليهم هذا الفتح ويمكّن لهم في الأرض فهم كرارون غير فرارين إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تصنيفات : قضايا و مقالات