الإيمان صانع التغيير، د. جميلة تيسير صلاح
أغسطس 31, 2024
للمشاركة :

قال الله تعالى: “أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”(الأنعام: 122)، فلَن يستقيمَ الإنسان ولَن يحيى إلا بالإيمان، وأما غير المؤمن فهوَ كالميّت؛ وذلك لأنّ قلبه مُظلمٌ بالكفر والمعاصي، ليس له نور يمشي به، فإنْ أحيا كلّ فردٍ من أفراد المجتمع قلبه بالإيمان صارَ مجتمعاً مُشرقاً بنور التوحيد والهدى، قادراً على نصرة الحقّ ومواجهة الظلم وتحقيق مقصود الله تعالى الأعظم من هذه الحياة؛ وهو عمارة الأرض واستمرار صلاحها بصلاح المُستَخلفين فيها.

وقد ظلّ رسول الله ﷺ ثلاثة عشر عاماً في مكّة المكرّمة يزرعُ الإيمان والعقيدة السليمة في نفوس الناس، فأنشأ جيلاً مؤمناً قوياً، حملَ على عاتقه مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير، وإخراجهم من ظلمات الجهل والكفر إلى أنوار العلم والإيمان، وبهذا النور العظيم استطاعوا نشر الإسلام في ربوع الأرض وتخليصها من الشرك والظلم.

ولنا في قصة سحرَة فرعون العِبَر العديدة، ومن أهمّها ملاحظة الأثر العظيم للإيمان على الفرد والمجتمع، فقد جاء السحرَةُ لمحاربة نبيّ الله موسى -عليه السلام- مقابل الأجر المادي والقُرب من فرعون، فقال الله تعالى: “فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ”(الشعراء: 41 – 42)، إلا أنّ ما حدثَ لم يكن بالحُسبان، فقد تحوّلت عصا موسى لحيّة عظيمة ابتلعَت كل حبال السحرة وعصيّهم، وعندها أيْقنَ السحرةُ أنّ ما جاء به موسى ليس بسحر، بل هو حقّ، فسجدوا جميعهم وآمنوا بربّ العالمين، قال الله تعالى: “وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ”(طه: 69 – 70))، ولم يُلقِ السحرة بالاً لتهديد فرعون وتوعّده لهم بالقتل، بل قالوا له بكلّ ثبات: “فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا”(طه: 72).

لقد صدقَ السحرَة في إيمانهم، فكانوا في أول النهار سحرَة وصاروا في آخرِه شهداء برَرة، وهذا هو الإعجاز الحقيقي في الإيمان، يصنع في النفس قوّة داخلية عظيمة لها القدرة على التغيير، ويجعل المؤمنُ صابراً قوياً يواجه الابتلاء بعزةِ وثبات؛ لأنه يعلمُ أنّه على الحقّ، وأنّ الجنّةَ سلعةٌ غالية تستحق البذل والتضحية.

إنّ ما تعيشه الدول الإسلامية الآن من الذلّة والصغار يُحتّم علينا مضاعفة الجهود لتوحيد الصفوف ومحاربة الظلم وتحقيق النصر، وأول خطوة لذلك هي العناية بالبناء العقَدي الإيماني للأفراد، ولنا في صحابة رسول الله ﷺ القدوة الحسنة، فقد نالوا رضوان الله تعالى، وتميّزوا بالفضل والخيرية والمنزلة العالية، وفتحوا البلاد شرقاً وغرباً، وكلّ ذلك بقوّة إيمانهم، وصلاح قلوبهم، وحبّهم لله تعالى ورسوله ﷺ.

قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”(الرعد: 11)، فتغيير حال المجتمع يبدأ بإصلاح الفرد لنفسه، والإيمان هو السبيل لهذا الإصلاح، فقد قال تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”(آل عمران: 110)، فالإيمان بالله تعالى وإصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو المفتاح الأساسي لباب التغيير والوصول إلى الخيرية والسعادة في الدنيا والآخرة.

تصنيفات :