بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من الظلم …ولعظيم أمره فقد حرَّمَه الله جل في علاه على نفسه، جاء في الحديث القدسي:” يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرمًا، فلا تَظالموا”.
ولقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الظلم، وأن يظلم بعضنا بعضًا. فقد روى الإمام مسلمٌ رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:” اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة!» وقد فطن السلف الصالح ومَن سار على دربهم لهذه الآفة، فضربوا لنا أروع الأمثلة في العدل واجتناب الظلم.
* كتب إلى عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه بعضُ عماله يستأذنه في تحصين مدينته، فكتب إليه: “حصِّنها بالعدل، ونَقِّ طُرُقها من الظلم”.
* وقال ابن تيمية رحمه الله: “إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الظالمة وإن كانت مُسلمة، إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام”.
عندما يُذكر الظلم، فلا بد وأن يتبادر إلى الذهن فرعون وهامان وقارون – عليهم لعنة الله – وما فعلوه مع موسى عليه السلام ومَن آمنوا معه، كما يتبادر إلى الذهن أيضًا فرعون هذه الأمة – أبو جهل – وما فعله مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع صحابته الكرام، وكذلك يتبادر إلى الذهن فراعين كل زمان إلى يومنا هذا؛ فها هم فراعنة اليوم المحتلين الصهاينة يعيثون في أرضنا المباركة المقدسة فسادا فيشنون حرب إبادة وتجويع وتهجير قتل وتدمير وتخريب لكل شيء؛ الإنسان والشجر والحجر عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وبمشاركة ودعم رأس الكفر والطغيان أمريكا ومن حالفهم من الصليبيين الجدد … فحكمة الله تعالى اقتضت ألَّا تنتهي الفراعين ولا الهامانات ولا القوارين؛ وذلك لأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة.
والله سبحانه وتعالى عندما يسوق إلينا قصص الغابرين والظالمين والهالكين، إنما يسوقها للعِبرة والعظة، ولتجنُّب أحوالهم ومآلهم، وهذا يستلزم منا أن نأخذ هذا الموضوع – الظلم – من كل جوانبه؛ لنحتاط لأنفسنا فلا نوردها المهالك من حيث لا ندري؛ فالعاقل من اعتَبر بغيره ولم يكن هو عِبْرَة لغيره، فإن الله عز وجل قد جعل من بعض خلقه الظالمين والجاحدين والغافلين – عِبْرَة لغيرهم من الخلائق؛ لينزجروا بهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، والله تعالى يختم أخبار هلاك الظالمين من الأمم المُكذِّبة لرسلهم بقوله تعالى: “إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، الألباب، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، يذكرون، يعقلون”؛ لنعلم أن المراد من ذلك هو العظة والاعتبار.
والظلم سبب في المحن والفتن والهلاك والبلاء في هذه الدنيا؛ فكم من أمم قد طغت فأبيدت ودُمّرَت، وكم من أقوام قد طغوا فعذبوا وأهلِكوا، وكم من أناس قد أسرفوا في الظلم والطغيان فكانت نهايتهم إلى الهلاك والخُسْران. يقول ربنا سبحانه:﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء:11].
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِتْه» قال: ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].
فأين الجبابرة؟! وأين الأكاسِرة؟! وأين القياصرة؟! وأين الفراعنة؟! أين الطغاة؟! وأين الطواغيت؟! أين عاد؟! وأين ثمود؟! وأين قوم نوح؟! وأين قوم لوط؟!.
أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون وهامان؟
وأين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان؟
هل فارق الموت ذا عز لعزته؟ أم هل نجا منه بالسلطان إنسان؟
لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جانُ
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
فلتكن لنا في الأمم السابقة عِظة وعِبرَة؛ أناس تكبروا وتجبروا وأسرفوا في الظلم والطغيان، فأهلكهم الله تعالى وجعلهم عبرة لكل ظلم وطاغية. قال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 13، 14].
وقال عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 6 – 14].
فلنوقن أنه مهما انتفشت قوى الظلم والبغي للنَّيل ممن يدافعون عن هذه الأمة وشريعتها وهُويتها على مر العصور، فالله تعالى للظالمين بالمرصاد؛ يُبطل سِحرهم وكيدهم وتدبيرهم… وما ذلك على الله بعزيز.
نسأل الله عز وجل في عليائه أن يُجنبنا مصارع الظالمين وأحوالهم، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الظالمين وبطشهم.
اللهم عليك بمن ظَلمنا، اللهم خيِّب أمَله، وأزِل ظُلمه، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكَّه من حَزنه، وصيِّر كيدَه في ضلال، وأمرَه إلى زوال، ونعمتَه إلى انتقال، وسلطانَه في اضمحلال، وأمِتْه بغيظه إذا أمتَّه، وأبْقِه لحزنه إن أبقيتَه، وقِنَا شرَّ سطوته وعداوته، فإنك أشد بأسًا وأشد تنكيلًا.
وصل اللهم وسلم وبراك على سينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات